موسم الأفراح يطرق الأبواب، وهو ما يحدث الآن الاستعداد له، وعلى القدر الذي نتشوق إليه، يداخلنا التوجس من أن تزاحمه حفلات الطلاق المتعاظمة يومًا بعد يوم..
أن تكون حصيلة الانفصال 50% من مجمل حالات الزواج والخطوبة فذلك أمر خطير ويحتاج لدراسة فعلية وعلى مستوى المهتمين بالشأن، خاصة وأن أغلبيته بين شبان الجنسين والذين من المفترض أنهم قد حازوا البرهان والدليل والقناعة بجدارتهم بالارتباط، وولوج الحياة الزوجية التي سرعان ما تنهار آمالها رأسًا على عقب في خيبة وخذلان.
ومع جهل الأسباب أو معرفتها تبقى الحالة مستمرة وتظل الحلول مستعصية على الرغم من الأصوات المرتفعة والأقلام الصريحة والندوات والمحاضرات وخلافها والتي عجزت مع الأسف عن أن تخترق المشكلة وتضع لها الحلول في وقت تزداد فيه تعقيدًا وتكاثرًا.
الزواج ليس على شاكلة ألف ليلة وليلة من الأنس والبهرجة، وهو لن يحوز الرضا المطلق بين الطرفين أو أحدهما دون تفاوت، ولكنه قناعة ورضا بالحد الذي يمكن أن تسير معه الشراكة على وفاق ضمني يحمي الارتباط ويقويه مع الزمن، بعيدًا عن الشكليات المؤقتة والتي سرعان ما تتلاشى لتبدأ مسؤولية الطرفين في الظهور شيئًا فشيئًا لتبدأ رحلة تكوين الأسرة وتشكيل المنزل الذي يضمها بالطريقة التي يأملها الجميع .
الزواج حياة مختلفة لمرحلة عمرية أخرى تمامًا، وشراكة يعمها الحب والنضج والتفاهم ويتحمل فيها الطرفان واجبات متبادلة هي من صميم مسؤولياتهما.
العجيب أنه وعلى الرغم من الظروف الحالية الأفضل، والتي تتيح للطرفين معرفة بعضهما عن قرب وبمختلف الوسائل، حيث الثقافة والتعلم والوعي والإدراك والمساحة الواسعة من فرص الاختيار واتخاذ القرار، إلا أن ذلك يفشل كله بمجرد إتمام العقد أو الدخول ليتهاوى كل شيء في وقت يصل أحيانًا لأقل من أربع وعشرين ساعة.
عكس ما كان يحدث قديمًا حينما كان الزواج تقليديًا جدًا ولكنه يصمد بالرغم من عدم التوافق التام، ولكن لم نر أو نسمع أو نسجل حالات انفصال تقارن بما يحدث الآن، بل إن الحياة استمرت بالقناعة والرضا “والقسمة والنصيب” فتتشكل الأسر وتسود المحبة والمودة والرحمة تجعل الارتباط يستمر، إلا ما استعصى منه وذلك أمر وارد.
السؤال العريض والموجه للطليقين المحتفلين هو عن الأسباب الداعية لاتخاذ هذا القرار الخطير على مستقبلهما، والذي ربما يؤدي إلى فوات فرصة الزواج ذاتها لاحقًا وإلى اللا عودة للأمل المنشود والحلم المنتظر.
ما الذي جعلهما أو أحدهما الاتجاه لاتخاذ قرار الانفصال وقد توفرت لهما جميع الفرص المؤدية للاقتناع شكلًا ومضمونًا للحد الذي يتيح اتخاذ قرار الارتباط أو عدمه؟
هل يعقل أن يكون الانفصال خلال فترة لا تزيد عن أسبوع أو أقل ربما؟ ولسبب أتفه من أن يذكر.
وهل الأهلية للزواج معدومة لهذه الدرجة؟ وإذا كان كذلك فلماذا الإقدام والمجازفة؟
لا يمكن أيها الشاب وأيتها الشابة أن يكون أحدكما كامل المواصفات، ولا يمكن أن يكون معدومها مطلقًا.. فلو كان كذلك لما ارتبط أحد من البداية.. التنازل عن بعض الاشتراطات مطلب ولو بالحد الذي لا يمس الجوهر والحد المعقول للقبول من الأساس، وهذا ما نظن أنه يحدث بعد السؤال والتحري والذي يأخذ فترة تزيد على عدة أشهر، ثم يأتي الخبر السعيد بالموافقة وعلى افتراض أننا “خلاص انتهينا” لتنزل الصاعقة بعد العقد أو الدخول أو حتى قبل ذلك، بأن فلان “ما جاز ليي” أو أن فلانة ما دخلت مزاجي “يا أبو مزاج”.
بربكم هل يعقل هذا؟.. إنه ارتباط مقدس أكرم به الله تعالى عباده، حماية وصيانة للجنسين من أي منزلق آخر، وإذا بنا نصل إلى مرحلة هي أبعد ما تكون عن الحكمة ومنافية للوعي حين يقام احتفالٌ علنيٌ وربما في أحد “الكافي شوب” تصرف عليه الأموال، ويدعى له الأخلاء والأصدقاء وربما الأرحام والوالدان.
أي زمن هذا وأي بشر نحن؟ و”.. أين الأباء والأمهات مما يجري؟.. أين أبناء المجتمع كي يضعوا حدًا لهذا الجنون؟ لا يمكن أن يترك الأمر كما هو، ومن المستحيل عدم وجود الحلول.. فهي ليست معدومة بالمطلق متى ما أردنا.. لا توجد مشكلة بدون حل.. فقط تحتاج لإرادة وأخذ الأمور على محمل الجد والعمل على تشخيص الأمر وإن أخذ وقتًا ابتداء، ولكن في النهاية سوف تنفرج بشرط تعاون جميع الأفراد والجهات المعنية بذلك، وبدلًا من أن تحرر وثائق الطلاق فقط بأخذ منطوق الأطراف، نرى أن التريث وعدم العجلة مطلوب، والصبر والحكمة، لأنه وبغض النظر عن القناعة أو عدمها بالمسببات فإن أمر الطلاق مبغوض عند الله تعالى وهو ما يجب أن يحرص عليه المعنيون بأي حالة تمر بهم حفاظًا على الأبناء والأجيال، والسلام.