لكنَّها لم ترحل.. (13)

في مساء مُنتصف الأسبوع، توجهت عبير وحنان، وياسمين إلى إحدى المُجمعات التّجارية، ليقضين وقتًا مُمتعًا، وشراء ما تستهويه أنفسهنّ، توقفت ياسمين، أحسّت بدوار، احتضنتها حنان، وساعدتها عبير في وضعها على المقعد بجانب محل بيع ملابس الأطفال، أغمضت ياسمين عينيها، اغرورقت بالدّموع.

حبيبتي ياسمين، ما بكِ؟! تسألها حنان بقلق

لا شيء، لا تقلقي، أحتاج قليلًا من الماء، لأرشح وجهي به. تُجيبها بصوت مُتقطع

أسرعت عبير، لشراء علبة من الماء، وأحضرتها إلى ياسمين.

نثرت الماء في يديها، تُحدّق عاليًا، وتُرشف جبينها قطرات الماء، تُدير أصابعها على خديها باتساع حدود وجهها.

بعد عودتهن من المُجمع، أسلمت ياسمين نفسها إلى وسادتها، لتغرق في نوم عميق.

تسأل عبير حنان..

إلى ماذا تُحدّق ياسمين في المُجمع؟!

إنَّ لغة الزّوايا لا تقل أهمية عن اللّغة ذاتها، سأجيبك بكوني فنانة تشكيلية، فاللّوحة مُنذ كونها بياضًا، فإنّ كلّ الأشياء، التي تخترق هذا البياض لها قيمتها، وأثرها؛ الخُطوط المُتنوعة، الظّلال، الألوان، كلّ شيء، يأتي لغة، يقرؤها الفنان نفسه في البداية، ويأتي المُتلقي، ليقرأها، يتأملها، يفُك طلاسمها، ويُمسك بتلابيب أسرارها.

نحن يا عبير علاقتنا بالزّوايا، كاللّوحة، فإذا سمعنا خبرًا حزينًا، قد نرفع رأسنا للأعلى في حالة استعطاف، كأن الرّوح تستجدي الرّاحة، وقد نحني أعيننا إلى الأرض في حالة انكسار، يستجدي الانفكاك من الحُزن، كأن الرّوح، تأنّ. تستطرد حنان

كلامك صحيح، أتذكر في المدرسة، إذا سألتني المُعلمة، أرفع طرفي للأعلى، كي أتذكر، وأحيانًا لا أعرف الإجابة، وأظهر نفسي كأني أفكر، وبلا شُعور عيناي، تُغازلان السّقف، كأنّي أبحث عن شيء في بياضه، عن فارس الأحلام، يأتي على فرسه، أو وجبة غذاء، تكون لذيذة، كما أشتهي.

ألا تعتقدين أن ياسمين حامل، وتُخفي علينا ذلك؟! تسأل عبير

رُبما، ولكن لو حدث ذلك، لماذا لا تُخبرنا؟، لا أظنّ أنها ستُخفي علينا خبرًا سعيدًا، كهذا، يبدو أن شيئًا في حياتها، يُسبب لها الألم، ولا تُريد أن تبوح به.

ذات يوم استغلت حنان الموقف، ياسمين، تُعد القهوة في المطبخ، وقفت بجانبها، تُناغيها..

الجميلة ماذا تفعل؟

تضحك ياسمين..

ألا تعلمين ما هذا؟!

نعم، أعمل “ماهي” فرائحتها أخذتني من لوحتي التي أرسمها، لآتي هنا، وأمتع ناظريّ، وأتناغم مع رائحتها المُغرية، وأطرح بعض الأسئلة على كاتبتنا المُميزة.

كعادتك، عشقكِ إلى طرح الأسئلة، كعُشقي في الكتابة، ولكنّي لست مُميزة، ابتعدي عن هذه المُفردات، وإلا لن أجيبك على الأسئلة، لماذا تُشاغبين، كالأطفال في براءتهم.

لا أعرف، هي شخصيتي، لا أستغني عن عالم الطّفولة، بلا شُعور، أو قصد، تجديني أتصرف، كالطّفلة، تهفو إلى الأنس، وتُشاغب عبر ابتسامتها الآخرين، خُصوصًا من تُحبهم، وترتاح لهم، كالإنسانة، التي شغفتها حُبًا، وتراها القدوة، أعتقد أن اسمها ياسمين، والآن انتهت من إعداد القهوة، وسكبت لي كوبًا منها.

تعالي معي، نجلس في الصّالة، وأجيب على أسئلتك، أيتُّها الصّحفية حنان.

ليس لديَّ أسئلة، إنَّه سُؤال واحد، يحتاج إلى جواب، ألا ترين أنّي مُتواضعة في طرح الأسئلة، لا أثقل على الضّيف، هنيئًا لكِ بي.

بالضّبط، هذا واضح جدًا حسّ التّواضع.

ما سُؤالكِ؟

بشكل مُباشر، ولا مُقدمات، ماذا حدث لكِ في المُجمع، هل أنتِ حامل ياسمين، وتُخفين عنَّا؟!

أطرقت ياسمين، ارتعشت أصابعها، مما جعل القهوة، تنساب على يديها، لتقُوم حنان مُسرعة، وتُحضر منديلُا، ومسحت يديها، ولا زالت مُطرقة.

تسألها بهلع..

ياسمين ما بكِ؟، ماذا حدث لكِ؟، لماذا وجهك أصفر؟

وتابعت..

لا أريد جوابًا، ياسمين لما لا تردين عليّ؟!

رفعت ياسمين رأسها، خاطبتها بشفتيها الذَابلتين، إلا من بقايا القهوة.

حقًا، تُريدين أن تعرفي ما بي؟

أجابتها حنان..

نعم، إذا لم يكن لديك مانع.

ليس لدي أيّ مانع، كل هذا الوقت، تعمدت ألا أخبرك، كي لا تحملين الهمَ معي، وأسبب لكِ الحُزن.

ماذا تقُولين؟!، هذه الكلمات تٌقال للغُرباء، وليس لي، أليس كذلك؟

نعم، هو كذلك، سأخبرك الآن.



error: المحتوي محمي