شهدت ساحة ميدان حي القلعة بالقطيف يوم الخميس 22 سبتمبر 2022م، وقفة أدبية حول “تاريخ الأدب السعودي” للباحث والأديب “علي الحرز”، أخذ فيها زوار فعالية الاحتفاء باليوم الوطني السعودي 92 في جولة تاريخية تعريفية بنشأة الأدب السعودي، عبر تتابع العصور التي مرت بها شبه الجزيرة العربية، والعوامل التي ساعدت على تكوين فكر أدبي غزير امتد إلى عصرنا الحاضر.
جاء ذلك ضمن فعاليات الاحتفاء باليوم الوطني السعودي 92، المنظم من بلدية محافظة القطيف بالشراكة مع مركز التنمية الاجتماعية بالقطيف، والذي يختتم يوم الجمعة 23 سبتمبر 2022م، بعد أن امتد يومين متتالين، وتوزعت فعالياته في عدة مواقع في محافظة القطيف.
وفُعّل الاحتفاء باليوم الوطني في ميدان القلعة عبر عدة فعاليات، هي؛ المسار السياحي بقيادة المرشد السياحي عون المختار، الذي رافق الزوار للفعالية، وعدة متطوعين من جمعية تاروت الخيرية، وجمعية البر الخيرية بسنابس، بمرافقة مسؤولي اللجان التابعة للجمعيتين.
وصاحبها تفعيل 13 ركنًا؛ توزعوا بين التعريفية لمركز التنمية، وأركان للأسر المنتجة التي عرضت منتجاتها، ومنهم؛ ركن غـدير الميلاد لصناعة الصابون، ونادية الشيخ للعود والبخور والعطور، مع ركن الطباعة الحرارية لهــدى الحايكي، بالإضافة إلى ركني الفنون للأعمال الفنية والرسم على الوجوه من قبل؛ زهراء المعلم، ورغد العقيلي، وزهراء العقيلي.
وتضافر في تنظيم الفعالية كوادر تطوعية من لجنة التطوع لجمعية العطاء النسائية بالقطيف بمعية 75 متطوعة، بإدارة مسؤولة التطوع هــدى الغمغام، والكادر التطوعي التنظيمي بقيادة شاكر هجلس.
وجسد الباحث “علي الحرز” في لقائه ارتباط أصالة الماضي وازدهار الحاضر المعاش، من خلال الجلوس على مفترق طريق المسار السياحي لأحياء القلعة التراثية في القطيف؛ لبيت خميس بن يوسف بفريق السدرة، وبيت الجشي بفريق الخان، واللذين يعود تاريخ بنائهما إلى 400 عام على أقل تقدير.
وبدأ اللقاء بالتعريف بالباحث “الحرز” من خلال محاورته مسؤولة الإعلام والعلاقات العامة بمركز التنمية الاجتماعية بمحافظة القطيف حليمة بن درويش على أنه صاحب مكتبة جدل الثقافية بأم الحمام، والفلاح الذي يعشق الورق، مع ما يجتمع له من توثيق الحركة الثقافية في القطيف والمملكة، وصاحب نتاج ثقافي تحتضنه مكتبة جدل في محافظة القطيف.
وتميزت الفعالية بحضور مدير مركز التنمية الاجتماعية بالقطيف بركات الصلبوخ، وعدد من الأدباء والمهتمين والمهتمات بالشأن الادبي والثقافي في القطيف وخارجها.
واستهل”الحرز” حديثه بتقديم التهاني بمناسبة العيد الوطني المجيد للقيادة والشعب، والأرض، في هذه الملحمة الوطنية، موجهًا شكره إلى بلدية محافظة القطيف، ومركز التنمية الاجتماعية بالقطيف، وحليمة بن درويش على جهودهم المبذولة، مع شكر الحضور الكريم.
وأكد أن المتتبع للحركة الثقافية للبلاد، سيلحظ أنها أصبحت ورشة ثقافية كبيرة على كل الصعد، مع هذه الأنشطة التي تعيشها وسوف تؤتي أكلها بعد حين، مازجًا في حديثه التاريخ بالأدب حتى يكتمل المشهد –على حد قوله-، معتبرًا أن التاريخ والأدب قراءات واجتهادات، منطلقًا في رحلته الأدبية مع الحضور لأخذ إطلالة جغرافية تاريخية على عهد المماليك القدامى الذين كانوا يقطنون الدول العربية وكيف كانت حالتهم الاجتماعية، وما البلاد التي استوطنوها.
وتطرق في حديثه إلى اللغة كونها الوسيلة المتجددة التي تنقل الثقافة عبر العصور، حيث تمثلت في بدايتها في الرسم على جدران الكهوف التي كان يعبرون بها عن مشاعرهم قبل معرفة الكتابة، وكيف تطورت وتشعبت إلى 6000 لغة، وبالرغم من ذلك فإننا نجد أن الشعوب توحدت على أن تكون اللغة الإنجليزية هي لغة التعاملات فيما بينهم.
وركز على اللغة العربية التي تشكلت معالمها بعد رحلة طويلة إلى أن استقام اللسان العربي وأصحبت لغة فصحى منذ القرن الخامس الميلادي على يد القبائل الشمالية، مرجعًا ذلك لعدة عوامل أبرزها؛ ترحال القبائل في مختلف الجهات، احتكاك العرب بجيرانهم من القوميات المتعددة عبر التجارة ومواسم الحج والعمرة، وأسواق العرب في الجاهلية التي تربو على 20 سوقًا، التي لم تكن للتجارة فقط، بل كانت محطة للعرض ولتبادل الإنتاج الثقافي من شعر وخطابة.
وأشار إلى حركة الشعر في الجاهلية الذي كان شفهيًا، ووصل من الرواة المختصين، ذاكرًا الإسقاطات المرتبطة بصحة توثيقه، عاقدًا مقارنة بين مطالع قصائد الشعر العربي ومطالع الملاحم الإغريقية.
وتحدث عن الأدب السعودي الذي استلهم من أجدادهم الذين عاشوا في المملكة، التي كانت مسرحًا وموطنًا للأدب في الجاهلية والإسلام، وامتد إلى العصر الحالي الذي تشهد منصات التتويج في المحافل العربية والدولية إنجازاته في الرواية والشعر، والترجمة، وكأن روح الأجداد تسري في الأبناء في العصر الحديث.
تعددت المداخلات بمشاركة الحضور، والتي كانت تصب في مجالات الأدب السعودي القديم أو المعاصر، بدأها الكاتب حسين الجفال الذي تحدث عن الارتباط الوثيق منذ القدم بين الشعر العربي والثقافات الأخرى ومنها الشعر اليوناني على سبيل المثال.
واعتبر الكاتب قيس آل مهنا أن الأدب السعودي مر بمرحلتين هما؛ مرحلة ما قبل توحيد المملكة، والأخرى بعد التوحيد، مركزًا في حديثه على الحركة الأدبية، التي غلب عليها الشعر المناطقي قبل توحيد المملكة، وقد ظهر عدد من الشعراء، هم؛ من الحجاز، محمد حسن عواد، حسن فقي، وحسن القرشي، وفي الشمال شعراء حائل والجنوب، أما في القطيف والأحساء فمنهم؛ عبد الله الذهبة، الشيخ محسن التاروتي، حسن التاروتي، والشيخ عبد العزيز الجشي، وبعد توحيد المملكة أصبح مميزًا أن كل المناطق توحدت في لغة شعرية معروفة وهي لغة الوحدة والتسامح والتصالح والنهضة، ومثلت المملكة في الكثير من المحافل الأدبية في داخل المملكة والعالم العربي ومنهم؛ الشاعر الشيخ عبد الله الجشي على مستوى الشعر، والأديب سلمان الصفواني على مستوى القصة.
وذكر الكاتب محمد الحميدي أن المنطقة ومحافظة القطيف تشهد حركة أدبية واسعة على مستوى تأليف الشعر، والقصة، والرواية، وكانت موثقة ضمن الدراسة البيبلوغرافية التي كان يعدها الأديب خالد اليوسف من جدة، والتي يرصد من خلالها الإصدارات الأدبية على مستوى المملكة، وكانت القطيف في المقدمة من حيث عدد الإصدارات لعدة سنوات.
وعقب الباحث “الحرز” على ذلك بأن المملكة تشهد حركة أدبية ضخمة بفضل الدعم المتواصل من عدة جهات هي؛ الجامعات، المكتبات العامة التي تصل إلى 84 مكتبة موزعة على مناطق المملكة وتوقف عملها منذ شهرين من أجل زيادتها وتطويرها، وكذلك إرسال المبتعثين للدراسة إلى خارج البلاد، إضافة إلى الدور الكبير الذي يقدمه مركز الملك عبد العزيز العالمي “إثراء” في دعم حركة الأدب، وكذلك مكتبة الملك فهد بالرياض، ومهرجان الجنادرية، والمنتديات والصالونات الخاصة، فضلًا عن معارض الكتب الدولية، والفعاليات المصاحبة لها وعلى رأسها المعرض الدولي للكتاب بالرياض الذي يعد من أقوى معارض الكتب في العالم العربي، من حيث كثافة الحضور والقوة الشرائية، وانتهاءً بالجمعيات الثقافية في المملكة التي تصل إلى 15 جمعية في الوطن.