سيرة طالب (٢٧)

التلميذ الأستاذ

يضمّ حيّ السيّدة زينب (ع) في دمشق الفيحاء حوزات ومدارس دينية متعدّدة، منها الحوزة العلمية الزينبية، وتعتبر ثالث أهمّ حوزة بالنسبة للشيعة بعد حوزتي النجف الأشرف وقم المقّدسة، أسّسها السيّد حسن بن مهدي الحسيني الشيرازي عام 1975م، وهي أقدم مدرسة في هذه البلدة.

كذلك تبرز هناك واحدة من أهمّ الحوزات العلمية، وهي حوزة المرتضى (ع)، إذ افتتحت في سنة ١٩٩٥م، وقد أسّسها المرجع الراحل السيّد محمد حسين فضل الله (ره).

عزمنا أن نلتحق بهذه الحوزة، فاختبرونا في القبول وسألونا في البداية بعض الأسئلة ليحدّدوا المستوى العلمي الذي ينبغي أن يلتحق به طالب العلوم الدينية.
وأتذكر أنني كنت أدرس حينها كتاب (شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام) للمحقّق الحلي (676 هـ)، وهذا الكتاب يتميّز في بعض الشّفرات في الاستدلال رغم أنه كتاب فتاوى محض.

ويذكر بعض الأساتذة أنّ قارئ هذا الكتاب يُرزق الحج بعد فراغه من قراءته كاملاً، والله العالم، وأذكر أنّ المرجع الميرزا جواد التبريزي (ره) قال في مجلس الاستفتاء:
إنّ كتاب وسائل الشيعة موافق لتنظيم وترتيب شرائع الإسلام.

اجتزتُ الاختبار
وعلى أيّ حال، فعدّة هذا الكتاب أربعة مجلّدات، كنت درست منه المجلّدين الأولين وعزّمت أن أترك المجلدين الباقيين وأنتقل إلى كتاب شرح اللمعة، فقلت لمدير الحوزة في أثناء الأسئلة الموجهة لي:
إنّني عزمت على هذه الفكرة، وسألني بعدها: لماذا لا تدرس الباقي؟!

قلت: إنّ مستوى تحصيلي في المجلّدين الباقيين هو نفس مستوى تحصيلي في المجلّدين الأولين، فإن كان مستوى تحصيلي جيّدًا، بدأت في دراسة كتاب شرح اللمعة، وإن كان المستوى فاشلا، فلا فائدة من دراسة ما تبقّى من مجلّدات الكتاب.
فتحيّر في البداية ثم ضحك مبديًا إعجابه بكلامي، ثم قال: حسنًا، يمكنك دراسة كتاب شرح اللمعة في مدرستنا.

وسام فخرٍ واعتزاز
وأتذكر أيام دراستي في حوزة المرتضى كتاب شرح اللمعة، المعروف (الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية) تأليف زين الدين بن علي العاملي المشهور بالشّهید الثاني (ره) (911 ــ 965 هـ)، ويتميّز هذا الكتاب بالاستدلال واللفتات المختصرة القيّمة، وعلى أي حال فبعضه درسته على يد الأستاذ (الشيخ عبد البديري) عراقي الجنسية، وبالخصوص كتاب الطلاق.

شرعنا أول يوم من الدراسة واقترح الأستاذ أن يكون لي اختبار مكثّف أكون فيه أنا المدرّس، وأستاذي هو التلميذ لمدّة أسبوع، فشرعت أدرّس بالاستدلال الموسّع لمدة أسبوع، ليشهد لي بعد انتهاء المدّة المقرّرة، قائلًا:
أشهد أنك أستاذ شرح اللّمعة، وأنك تعرف مفتاح التدريس، فاليوم ختمت كتاب الطلاق، ولا حاجة لدراسة هذا الكتاب.

التائيّة العلوية
لما عرفني المشايخ في حوزة المرتضى أنّي شاعر وأشارك في المناسبات الدينية أمرني أستاذي السيّد حسن النوري (حفظه الله وهو من تلامذة السيّد الشهيد الصدر (ره)) أن أشارك في مناسبة يوم الغدير، وهو يوم تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام بقصيدة جديدة، وكان عندي مدّة أسبوع قبل يوم المناسبة، فكلّ ليلة أحاول كتابة ما يجول بخاطري، لكنّ القلم يكبو، في كل يوم وليلة، وقبل ساعة من منتصف الليلة التي تسبق ليلة المولد، حاولت جاهدًا الانطلاق في كتابة مطلع القصيدة، فلم أنجح، لا بقافية شرود ولا ذلول، حتى وجدتني أتوجّه بجوارحي وجوانحي عبر الأثير نحو قبة مرقد أمير المؤمنين (ع) في النجف، طالبًا منه المدد، متضّرعًا: يا أمير المؤمنين، أنت الحامي وأنا المنكسر، توسّط إلى الله لأقوّي نفسي وأكتب قصيدة رنّانة.

فما شعرتُ إلّا أنّي أكتب مباشرة مدّة ساعة ودقائق قليلة.
اكتملت القصيدة وتفرّعت أغصانها، وبعد أن انتهيت تذكرت أنّي أكتب بمدد حيدري؛ لأنّي لم يسبق لي أن كتبت قصيدة في وقت واحد بنفس واحد إلّا في هذه القصيدة، فقد كانت عادتي – إذا كتبت – أكتبُ القصيدة على فترات زمنية متقطّعة قد تصل إلى أسبوع أو أقلّ أو أكثر.

وهذه بضعة أبيات من تلك القصيدة المعنونة بـ (دم العشق):

نَبَضَاتُ قَلبِكَ لِلحَيَاةِ حَيَاةُ
وَحُرُوفُ ذِكْرِكَ لِلهُدَى صَلَوَاتُ

وَنَمِيرُ نَهْجِكَ وَاحَةٌ رَقْرَاقَةٌ
تَرْسُو عَلَى شُطْآنِهَا الآيَاتُ

وَغَدِيرُ خُمِّكَ لَمْ يَزَلْ مُتَفَايِضًا
تَمْتَدُّ مِن جَنَبَاتِهِ الكَاسَاتُ

وَعَلَى سَبِيلِكَ أَلفُ ذِكْرَى تَرتَمِي
حُلُمًا فَتَحْضِنُهَا لَكَ السَّنَواتُ

وَكَتَبتُ قِصَّتَكَ التِي نُحِتَتْ عَلَى
جِيدِ الحَيَاةِ فَأَحسَنَ النَّحَاتُ

قَدْ وَقَّعَ الرَّحمَانُ تَحتَ سُطُورِهَا
إِنَّ الخُلُودَ لِمِثْلِ ذَاتَكَ ذَاتُ




error: المحتوي محمي