من هدي الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في البناء الروحي

قال تعالى: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].

في هذا العالم المليء بالمغريات والملاهي، يحتاج الإنسان إلى التقرب أكثر من منابع الرسالة التي تفيض بالتقوى والعلم والأخلاق والفضائل النبوية الشريفة.

فحياة الإنسان بين مد وجزر، بين صعود وهبوط، بين الارتقاء إلى قمم التكامل أو السقوط إلى الهاوية.

لذا فهو بحاجة إلى أن يغترف من ذلك النبع الصافي، ما يساعده في تجاوز تلك الهفوات، فمهما بلغ الإنسان من مكانة، إلا أنه معرض لخطر السقوط، ألم يقل رسول الله (صلى الله عليه وآله): {مرحبًا بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر، قيل: يا رسول الله! وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد النفس}، وقال (عليه السلام): “أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه”(1).

في هذا المقال اخترت لك بعض التوجيهات النبوية، لتكون نقاطًا أولية في منهج السمو الروحي:

القرآن كتاب التربية الروحية
لا شك في أن القرآن الكريم هو كتاب النور الذي يفتح عقل الإنسان على خط الهدى، وقلبه على الإحساس بالهدى، وحياته على السير في طريق الهدى، لذا يمكن القول: إن القرآن كتاب تربية روحية، وكتاب حياة ونجاة، ولذا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): {إن أردتم عيش السعداء وموت الشهداء والنجاة يوم الحسرة والظل يوم الحرور والهدى يوم الضلالة فادرسوا القرآن، فإنه كلام الرحمن وحرز من الشيطان ورجحان في الميزان}(2).

ولكي يصل الإنسان إلى هذه النتيجة عليه أن يقرأ القرآن بوعي وتدبر وتأمل، فيقف عند آياته ويستخرج منها ما يسهم في تصحيح مسيرته في الحياة.

الصلاة على النبي وأهل بيته نور على نور
على الإنسان أن يجعل من عاداته اليومية الصلاة على النبي وأهل بيته الكرام عليهم السلام، ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): {مَن صلّى عليّ مرة صلى الله عليه عشرًا، ومَن صلّى عليّ عشرًا صلّى الله عليه مائة مرة، ومَن صلّى عليّ مائة مرة صلّى الله عليه ألف مرة، ومَن صلّى عليّ ألف مرة لا يعذبه الله في النار أبدًا}.
قال النبي (صلى الله عليه وآله): {مَن صلّى عليّ مرة لم يبق من ذنوبه ذرة}(3).

يقول المربي الفاضل الشيخ حبيب الكاظمي إذا رأيتم الإنسان يرفع صوته بالصلاة على النبي وآله عليهم السلام كلما ذكر المصطفى فاعلم أن هذا الإنسان مبارك في إيمانه. كما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: {حيثما كنتم فصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني}(4).
بل ينبغي ألا يغفل الإنسان عن كتابة الصلاة على النبي وآله (كاملة) حتى في كتاباته (مقالات) فقد ورد عنه (صلى الله عليه وآله): {من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب}(5).

الصلاة طمأنينة وسكينة
الصّلاةُ يُمكن لها أن تُحدث تغيرًا مستمرًا فيك، في سلوكك، حينما تعي معنى الصلاة وأسرارها فهي نور وبرهان ونجاة من النار.
أتعلم ماذا يغشاك عندما تتجه بكل كيانك في صلاتك؟
يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): {ما من مؤمن يقوم إلى الصلاة إلا تناثر عليه البر ما بينه وبين العرش، ووكل به ملك ينادي: يا بن آدم لو تعلم ما لك في صلاتك ومن تناجي ما سئمت وما التفت}(6).
أتعلم أي باب أنت تقرعه في صلاتك؟
ورد عنه (صلى الله عليه وآله): {ما دمت في الصلاة فإنك تقرع باب الملك الجبار، ومن يكثر قرع باب الملك يفتح له}(6).
ألا تجعلنا هذه الكلمات نؤدي صلاتنا بالكيفية الصحيحة، وأن تكون الصلاة جوهرًا لا مظهرًا؟.

التحلي بالأخلاق.. سمو ورفعة
بالأخلاق الفاضلة ترتقي وتكون ممن يحبه ويألفه الناس، فـ {خياركم أحاسنكم أخلاقًا ، الذين يألفون ويؤلفون} كما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله):(7). فالأخلاق الفاضلة هي عطر النفس، وهي قوة الجذب للطرف الآخر. إضافة إلى ذلك فهذه الأخلاق هي تهذيب للنفس والروح معًا، وهي التي تجلب السكينة والرّاحة النفسيّة والسرور في نفس صاحبها وكل مَن يتعامل معه.

وفي جانب آخر هناك ذم لسيء الخلق حيث ورد عنه (صلى الله عليه وآله): {أبى الله لصاحب الخلق السيئ بالتوبة، فقيل: يا رسول الله وكيف ذلك؟ قال: لأنه إذا تاب من ذنب وقع في أعظم من الذنب الذي تاب منه} (8).


الهوامش:
1 ) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 1 – الصفحة 453
2 ) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 3 – الصفحة 2521
3 ) بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 91 – الصفحة 63
4 ) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 2 – الصفحة 1662
5 ) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 2 – الصفحة 1662
6 ) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 2 – الصفحة 1631
7 ) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 1 – الصفحة 94
8 ) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 1 – الصفحة 806



error: المحتوي محمي