إن من أبرز المبادئ الثقافية لطرح موقف ما ، هو إتاحة المجال للطرف الآخر ليبدي رأيه في ذلك الموقف ، مهما كان حجم الاختلاف ، دون تجاوز شخصي ، فالفكرة تقرع بالفكرة ، كما الحجة تقرع بالحجة ، وكما قال فولتير ، قد اختلف معك في الرأي ولكنني على استعداد أن أموت دفاعا عن رأيك …… ، وهنا لست بصدد التعليق أو الرد على أحد ،ولكن من باب التطرق إلى ألف باء الكتابة الحرة السليمة ، ودعونا في هذا الإطار نستعير بعض الكلمات ممن سبقنا ، فنقول …. من اليسير أن يجد المرء تبريرا لعامة الناس ،عندما يسمحون لأنفسهم بإبداء رأيهم تجاه قضايا المجتمع ، ولا يسمحون لسواهم من شخصيات وكتاب و وجهاء ، وإذا اختلفوا معهم – نجد البعض – يمطرونهم بوابل من الكلمات الجارحة وربما السباب ، دون وازع من دين أو ثقافة حرة .
كذلك يمكن أن يخترع العقل التبريري حججا كثيرة ، من المكن التعاطي معها واستعمالها ، بالنسبة لأولئك الذين للتو دخلوا معترك العمل الثقافي والسياسي والحقوقي، ومتابعة حقوق المواطن .
ولكن ماذا بالنسبة لمن بلغ من العمر – السياسي – عِتيا ، كيف يمكن أن نعذره عندما لا يسمح لطرف آخر أن يبدي رأيه ، عندما يصادر حق الآخر في إبراز وجهة نظره ، وهو مبدأ من المفروض أن ينادي به كل سياسي يطالب بالحرية والديمقراطية ، فحرية إبداء الرأي مكفولة ومصانة ، وتقر بها كل الأنظمة والقوانين العالمية التي تطالب بحقوق الإنسان، فبدل أن يهاجم الفكرة وينتقدها ، نجده يهاجم الأشخاص ،ومن جانب آخر وفيما يتعلق بالأوضاع في منطقتنا ، نادينا مرارا بضرورة التصريح وبشكل أكثر وضوحا ، والإعلان في أكثر من وقت ومكان بالموقف الرافض للعنف ،والمتعاملين بالعنف ، لذا كنا نعتقد أن الشخصيات الاجتماعية والثقافية ربما تأخرت ،أو أنها لم تُظهر موقفها بالصورة الكافية والحاسمة والمتكررة ، ولها العذر في ذلك فتارة لأنها تعتقد أن موقفها واضح ولا توجد حاجة لتكرارها ، وتارة أخرى خوفا من أولئك ( الأحرار) الذين قد يهاجمونهم أو يقوموا بتصفيتهم ،عندما يظهرون وجهة نظرهم ، دون وازع من دين أو منطق أو عرف أو تقاليد ، والشواهد على ذلك كثيرة .
لذا فالإفصاح عن الرأي الواضح المتضمن نبذ العنف بكافة أشكاله وأنواعه، تحت أي مبرر مسألة منتهية و واضحة ، ومن حق أي طرف أن يبدي رأيه تجاه أي قضية ، ومن جهة أخرى فإننا قد نختلف مع طرف أو أكثر حول قول أو فعل ، ولكن عندما يكون هذا الرأي آو الفعل مسيء لنا ، ومضر بنا ويعرض أمننا واستقرارنا بل وحياتنا للخطر ، فمن حقنا بل من واجبنا أن نعترض عليه وبشده ، ولسنا بحاجة إلى تنظير آو فلسفة ، فسلامتنا وحياتنا، وحاضرنا ومستقبلنا قبل كل شيء، فالأفكار لا يجوز حظرها ولا الوقوف أمامها .
لذا فإنني أعتقد أن هذا الرأي هو الرأي السائد عند غالبية أبناء المنطقة ، ومن لديه اعتراض عليه فهذا شأنه وحقه ، إلا أن مهاجمة هذا التيار الواسع الذي يؤمن بهذا الموقف ، أمر مرفوض ويعبر عن تفكير بائس لا يمكن القبول به .