اذكروا محاسن أحيائكم..

تعوّدنا أن ننشر محاسن موتانا بعد رحيلهم من الدنيا وصارت سُنّة أكيدة في مجتمعنا فكلما رحل أحد منّا استنفرت أقلامنا لنثر الورود وتسارعنا لنظم القوافي وكلمات الشعر والثناء تمجيدًا وتكريمًا له، وهذه بدون شك بادرة جميلة وشعور مجتمعي نبيل يعبّر عن وحدة المشاعر واللحمة الاجتماعية، ولكن من الأحرى والأفضل ألا ننسى نصيب الأحياء من ذلك فهم لهم أيضًا بصمات جميلة وأيادٍ بيضاء ومواقف مشرّفة في مجتمعنا تستحق الذكر والمرور عليها والإشارة إلى أصحابها قبل أن يسبقنا الموت إليهم!

على أية حال، ذات يوم اشتهيت جحة وما ألذ تناول الفاكهة الصيفية في موسم الحر القائظ وخصوصًا الجح والبطيخ الذي ينتشر هذه الأيام حيث لا تحلو مائدة الطعام بدون الأحمر والأصفر، فتوجهت إلى “فاكهاني” بالقرب من تقاطع الناصرة مقابل مركز الرعاية النهارية، وطلبت من البائع -وكان رجلًا كبيرًا في السن- اختيار جحة تبيّض الوجه فأمر البائع أحد أولاده بأن يختار لي واحدة وأوصاه أن يستخدم السكين معها ليضمنها لي وإذا لم تعجبني فليختر واحدة أخرى ولا يدعني أخرج إلاّ وأنا راضٍ، وأنا بين مصدق ومكذب فالعادة من يساوم ويشترط هو المشتري ولكن مع هذا البائع اختلف الوضع، عمومًا الاختيار لم يكن موفقًا في الجحة الأولى فأمر ولده بإبعادها واختيار واحدة بدلاً منها وفشلت المحاولة الثانية واتجه للمحاولة الثالثة، أنا صرت في تلك الأثناء أتحدث مع الرجل وأقول له: لماذا تفعل ذلك.. ألا تخاف الخسارة؟ قال: أخسر جحة ولا أخسر سمعتي! فبأي وجه أقابل الله بُكرا (بلهجته القطيفية) وهل أقابله بالمال أم بالعمل! الحقيقة أخجلني بكلامه فقلت له: حجي أنا لا يرضيني أن تخسر بسببي فقاطعني قائلًا: لا يهمّك فهذا يرضيني أنا، وأنا فضلًا عن ذلك لي مآرب أخرى وهي معرفة مدى جودة بضاعتي فأتخلص من السيء وأحتفظ بالجيد فلا أريد زبونًا يدعوا عليّ.

في النهاية توفّقنا مع جحة حمراء وحلوة وليس عليها كلام وعندما جئت أحاسبه على الجحة خصم لي خمسة ريالات وأنا متعجّب وسعيد أن الدنيا لا تزال بخير فكثير منّا يزهد الدنيا ويلعنها ويردد ما يقوله الشابان اللطيفان حسن وحسين (راحووو) فزمن الطيبين لم ينته وما زلنا نعيش زمنًا طيبًا آخر فلو خلت لخربت وعلينا أن نتفاءل بأننا نملك في حياتنا قلوبًا آدمية طيّبة وخيّرة تجعلنا نتمسك بجسر الحياة فنمشي عليه بكل اطمئنان لنصل إلى غاياتنا وأهدافنا النبيلة.

لا تتردّدوا في مدح الطيبين كلّما قابلتم أحدًا منهم وانشروا فضائلهم ومحاسنهم فذلك يرسم لوحة جميلة لمجتمعنا القطيفي ويبيّن لنا أن الدنيا بخير وما زالت تعيش على بركة وفضائل ومحاسن القلوب الطيبة.



error: المحتوي محمي