قَدْ يَغْفَلَ الْمُتَتَبْعُ وَالْمُهْتَمُ بِمَسَارِ النَّهْضَةِ الْحُسَيْنِيْةِ الْمُبَارَكَةِ عَنْ جُمْلَةٍ مِنْ الْأُمُوْرِ ذَاتِ الْأَهَمِّيْةِ الْبَالِغَةِ ، وَ يُحَاوِلُ جَاهِدًا أَنْ يُؤَطِرَ مَسِيْرةَ سَيْدِ الشُّهَدَاءِ الْحُسَيْنِ – عَلَيْهِ السَّلَامُ – وَهِيَ مَسِيْرَةٌ وَ رُؤْيَةٌ إِلَهِيَةٌ أَرَادَهَا اللهُ جَلَّ وَعَلَا أَنْ تَكُوْنَ بِالْكَيْفِيْةِ الْتِيْ سَاقَهَا اللهُ سُبْحَانّهُ وَ تَعَالَىْ ، وَهَذَا مَا بَيَّنَهُ الْإِمَامُ نَفْسَهُ فِيْ جَوَابِهِ عَلَىْ مَنْ سَأَلَهُ عَنْ سَبَبِ اصْطِحَابِهِ النِّسَاءَ وَ الْأَطْفَالَ حِيْثُ قَالَ: ( شَاءَ اللهُ أَنْ يَرَانِيْ قَتِيْلًا وَأَنْ يَرَاهُنَّ سَبَايَا) .
فَلَايُمْكِنُ بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ وَضْعُ هَِذهِ النَّهْضَةَ الْإِلَهِيِةَ ضِمَنَ نِطَاقِ حُدُوْدِ تَفْكِيْرِنَا الْمّحْدُوْدِ وَالضَّيِقِ ، وَ يَجْعَلُ مَعَانِيْهَا الْخَالِدَةَ وَ الْهَادِفَةَ تَكُوْنُ ضِمْنَ مَعَايِيْرِنَا النَّاقِصَةِ وَ الْقَاصِرَةِ .
فَالْحُسَيْنِ – سَلَامُ اللهُ عَلَيْهِ – هُوَ مِنْهَاجُ صَلَاحٍ أَرَادَهُ اللهُ أَنْ يَكُوْنَ ،وَ لِهَذَا لَا بُدَّ أَنْ لَا نَغْفَلَ عَنْ حَقِيْقَةٍ غَايَةٌ فِيْ الْأَهْمِيْةِ وَلَا تَغِيْبُ عَنَّا أَبَدًا وَهِيَ ” أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ نكونَ كَمَا أَرَادَنَا الْحُسَيْنُ أَنْ نكونَ، لَا كَمَا نُرِيْدُ نَحْنُ أَنْ يَكُونَ الْحُسَيْنَ” .
فَهُوَ – سَلَامُ اللهُ عَلَيْهِ – لَا يُمْكِنُ أَنْ يُخْتَزَلَ مَعْنَاهُ وَدَوْرِهِ الْكَبِيْرِ بِقَوْلِ شَاعِرٍ أَوْ خِطِيْبٍ أَوْ كَاتِبٍ أَوْ حَتَّىْ عَالِمٍ تَحَدَثَ أَوْ كَتَبَ هُنَا أَوْ هُنَاكَ ؛ فَالْمَعْنَىْ كَبِيْرٌ وَ الْهَدَفُ دَقِيْقٌ وَ الْخُطَةُ وَ الْمَشِيْئَةُ الْإِلَهِيِةِ حَتْمًا مُطَّلِعَةٌ عَلَىْ كُنْهِ الْأُمُوْرِ وَمَجْرَاهَا.
فَالْمُحَاوَلَاتُ فِيْ الْكِتَابةِ عَنْهُ – سَلَامُ اللهُ عَلَيْهِ – مَحْمُوْدَةٌ وَ مَطْلُوْبةٌ ، لَكِنْ لَا أَحَدُ يَسْتَطِيْعُ أَنْ يَدَّعِيْ أَنَّهُ أَحَاطَ بِكُلِّ زَاوَيَا وَحِيْثِيَات الْأَمْرُ كُلَّهِ . وَهَذَا غَيْرُ مُتَاحٍ إِلَا لِلنَّبِيْ ( ص ) وَ أَهْلِ بِيْتِهِ – سَلَامُ اللهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِيْنَ – فِيْ إدْرَاكِهِمْ وَفَهْمهِمِ الْأبَعَاد الْحَقِيْقِيْة لِذَلِكَ .
فَهُوَ – سَلَامُ اللهُ عَلَيْهِ – إِمْتِدَادُ الرِّسَالَةِ الْمُحَمَدِيِّةِ وَ مُمَثِلُهَا الْحَقِيْقِيْ فِيْ زَمَانِهِ وَ الْمُطَلِعُ عَلَيْهَا بِكُلِّ مَعَانِيْهَا وَ تَفَاصِيْلِهَا وَأَهَدَافِهَا حَيْثُ قَالَ : ” فواللّهِ ما بينَ المشرقِ والمغرب ابن بنتِ نبيٍّ غيري فيكم ولا في غيرِكم” وَجَاءَ فِيْ زِيَارةِ وَارَثْ وَهِيَ إحدى الزيارات المشهورة من بين الزيارات الخاصة للإمام الحسين عليه السلام، وهي مروية عن الإمام الصادق “عليه السلام” .
فَحِيْنَ قَالَ النَّبِيُّ( ص ) : ( حُسَيْنٌ مِنْي وَ أَنَّا مِنْ حُسَيْنٍ ) . فَالنَّبِي الأكرم ( ص ) لَمْ يَكُنْ لِيَقْصِدَ الانتماءَ العَائِلِي وَ النَّسَبِيْ فَقَطْ ، بَلْ كَانَ الْقَصْدُ المسؤوليةَ الْمُشْتَرَكَةَ الْتِيْ كَلَّفَ اللهُ بِهَا الأنبياءَ و الرُّسُلَ فِيْ هِدَايَةِ النَّاسِ وَ وَضْعِهِمْ عَلَىْ مَا أَرَادَهُ سُبْحّانَهُ مِنْهُمْ.
فَهُوَ – سَلَامُ اللهُ عَلَيْهِ – عُنْوَانُ كُلِّ شَيءٍ صَدَحَ بِهِ جَدَّهُ الْمُصْطَفَىْ ( ص ) ، وَمَنْبَعٌ صَافٍ وَ حَقِيْقِيْ يَنْهَلُ مَنْ يُرِيْدُ الوصولَ إِلَىْ حَقِّ الْيَقِينِْ و التَّقَرْبُ إِلَىْ اللهِ جَلَّ وَ عَلَا مِنْ خِلَالهِ .
فَهُوَ ميزانُ للصدقِ و العدلِ ، وَهُوَ مَعْيَارٌ يُعْرَفُ بِهِ الْحَقَّ مِنْ الباطلِ ، وهُوَ سُرُّ الجمالِ الذي تنتهي عِنْدَهُ مَكَارِمُ الْأَخْلَاقِ و جميلِ الصفاتِ .
ولِمَا لَا يَكُوْنُ كَذَلِكَ فَقَدْ حَمَلَتْهُ يَدُ سَيْدِ الْأَوَلِيْنَ وَ الَأَخَرِيْنَ ، وَرَضَعَ مِنْ ثَدْيِيْ الْإِيْمَان ، فلا يمكنُ إِلَا أَنْ يَكُوْنَ كَذَلِكَ .
عِنْدَمَا نَصْدُقُ فَنَحْنُ حُسَيْنِيِيْنَ .
وَعِنْدَمَا نَعْدِلُ فَنَحْنُ حُسَيْنِيِيْنَ .
وَعِنْدَمَا نَعْمَلُ فَنَحْنُ حُسَيْنِيِيْنَ .
وَعِنْدَمَا نَخْشَعُ فِيِ صَلَاتِنَا فَنَحْنُ حُسَيْنِيِيْنَ.
وَعِنْدَمَا نَكُوْنُ طاهرين فَنَحْنُ حُسَيْنِيِيْنَ .
وَعِنْدَمَا لَا نَكُوْنُ نَمَّامِيْنَ وَ نُمِيْطُ الْأَذَىْ عَنْ الطَّرِيْقِ فَنَحْنُ حُسَيْنِيِيْنَ .
وَعِنْدَمَا نَكُوْنَ كَمَا أَرَادَهُ اللهُ مِنَّا وَ الرَّسُوْلُ فَنَحْنُ عَلَىْ خَيْرٍ وَ مَعَ الْحُسَيْنِ .