د. حسن محمد البريكي.. أول خريج جامعي من القطيف

مع بداية عملي بمكتبة الملك فهد الوطنية، وتكليفي بمهمة تسجيل التاريخ الشفهي مع كبار السن؛ أتيحت لي فرصة حضور معرض الكتاب السنوي بالقطيف، مع الزميل عبدالله آل عبدالمحسن، بداية عام 1416هـ، ومقابلة بعض أدبائها، وتسجيل بعض ذكرياتهم ومنهم: عبدالله الشيخ علي الجشي، والسيد علي باقر العوامي، والشيخ عبدالحميد الخطي، وشقيقه الشاعر محمد سعيد الحنيزي، وأحمد الكوفي.

سمعت منهم ما تردد ذكره عن خالد الفرج، وحمد الجاسر، وعمن تعلموا على أيديهم؛ كالشيخ محمد صالح البريكي ( 1314 – 1374هـ)، وأخيه الشيخ ميرزا حسين البريكي ( 1324 – 1395هـ)،

فتوثقت علاقتي بعدد من أدباء وأبناء القطيف، ومنهم الشاعر عدنان السيد محمد العوامي (13/6/ 1357هـ، 9/8/1938م )، وقد توثقت الصلة به حتى أصبحت أستشيره في بعض ما أكتب وأؤلف، وعندما بدأت بجمع المعلومات عن الأستاذ عبدالله الطريقي؛ أول وزير للبترول بالمملكة، ثم أصبحت أستعين به بمقابلة بعض كبار السن ممن عمل مع الطريقي في الوزارة، أو شركة ( أرامكو).

وقابلته في إحدى زياراته للرياض ومعه صديق عرفني به، وهو الدكتور حسن البريكي.. ومع الأيام بدأت معلوماتي عن البريكي تزداد؛ إذ حضر مع صديقه عدنان لمركز حمد الجاسر الثقافي بالرياض عدة مرات، فازدادت معرفتي بالاثنين، ووجدت لدى الدكتور حسن بن الشيخ محمد صالح ابن الحاج حسن البريكي (أبو غسان) ما يستحق التسجيل والإشادة، ففي سيرته ومسيرته العلمية والعملية ما يستدعي ذكرها، والوقوف بها سواء مجال عمله وتخصصه في الطب أو هوايته الأدبية شاعراً وكاتباً، ومترجماً، فهو يترجم من الإنجليزية والألمانية إلى العربية. فقد قام بترجمة كتاب ( مملكة أمريكا) كما أسلفت.

وجدت له مقابلة بجريدة اليوم بتاريخ 2/5/2008م أجراها معه عبدالله القو، وقدم للحديث قائلاً: «ضيفنا لهذا الأسبوع هو الطبيب والمثقف الدكتور حسن محمد البريكي رجل عصامي، عاش في بيئة متواضعة في القطيف، ومارس العمل الوظيفي في شركة أرامكو السعودية.. وطرق النجاح بابه عند اختياره للابتعاث لدراسة الطب في ألمانيا، وبعد تخرجه عمل في تدريس الطب لمدة 17 عاماً، وخرج أجيالاً من الأطباء المشاهير، كما عمل في مستشفى الملك فهد التعليمي بالخبر.

حسن الشيخ محمد صالح البريكي يتميز بثقافة متنوعة، وغزيرة، وله فلسفة متطورة في شتى مناحي الحياة الاجتماعية؛ مما أكسبه الحب والتقدير والاحترام..» وقال وهو يصف البيئة التي عاشها صغيراً: «.. بدأت في البيئة العلمية، فقد كان والدي وعمي (رحمهما الله) من رجالات الدين والأدب في القطيف، وكانا يديران (كُتَّاباً) لتعليم القرآن الكريم والكتابة والحساب..»، وذكر من زملائه محمد سعيد المسلم، وعبدالله الجشـي، ومحمد سعيد الجشـي، وعبدالله الشيخ جعفر، والسيد علي العوامي- وقال إنَّ مجلس عمه الشيخ ميرزا بمثابة البوابة الأولى على العصر الحديث؛ إذ كان مجلس نقاش، وتعلم، وتلاحق لمختلف الأفكار والتيارات، حيث كان هناك فريق آخر يسمون (العصريون) انفتحوا على العالم الجديد بهمومه وتياراته يمثلهم الشاعر خالد الفرج، وعلي أبو السعود . . . وكانوا يقومون بمبادرات مختلفة من خلال اللقاء في ديوانيات خاصة يتعلمون من بعضهم البعض . . . وبدأنا بجمع الكتب الثقافية، ونتفاخر بمكتباتنا المتواضعة، وكنا نجرب الخوض في مجالات الاهتمامات الأدبية بصورة خاصة .. وانفتحت مصاريع الحياة العصرية على بلادنا ببزوغ عصر البترول. . . فانتقلت الحياة إلى طور آخر، فلم يمهلنا الزمن لنتكيف مع الجديد إلا في جانبه الاستهلاكي.

لقد هب إعصار العصرنة فدك ميراثنا وحطمه، فصار كل شيء – بعد ذلك – أثراً بعد عين في أقل من 60 عاماً»، وقال: «.. عند بلوغي الخامسة عشرة التحقت بشركة أرامكو، وفي أرامكو أدخلت في مدارسها نصف دوام، وكنا نتعلم العربية، والإنجليزية، والحساب، والجبر، والهندسة.
وقال: «.. تركت أرامكو وبدأت في الدراسة ليلاً والعمل نهاراً إلى أن بلغت المرحلة التوجيهية، فتوجهت إلى الرياض، وأنهيت هناك الثانوية العامة في مدرسة اليمامة، وكان بعدها الابتعاث إلى ألمانيا لدراسة الطب 1961م»، واضطررت إلى تعلم اللغة الألمانية، وكان التخصص في ميدان الجراحة العامة، ومع العودة للمملكة كان إنشاء كلية الطب بجامعة الملك فيصل … وانشغلنا بالتدريس، وحتى نزاول الطب؛ كان لابد من دراسة اللغة الإنجليزية التي بدأناها مع افتتاح مستشفى الملك فهد التعليمي بالخبر، وقد أمضيت في التدريس 17 عاماً خرجت بعدها للتقاعد..

وقال: «.. وبعد التقاعد تورطت بممارسة العمل في مجال الطب في مشروع طبي صغير.. ومع ما واجهنا من بيروقراطية أجهزة وزارة الصحة والاستقدام ومتابعة كل صغيرة وكبيرة مما أفشل المشروع ..».
وكتب الصديق عدنان العوامي سلسلة مقالات في المجلة الالكترونية (صبرة) من ثماني حلقات تحت عنوان : (حسن البريكي .. الطب حجب مواهبه في الشعر والثقافة والترجمة.. مثقف يشطب حرف الدال من اسمه) قائلاً: إنه يمقت الألقاب والنعوت، وخصوصاً الحرف (د) السابق لاسمه، معللاً أن هذه الألقاب تعد من باب التباهي والزهو، وحافزاً على الغرور.

قال إنه حج مع والده مرتين .. الأولى وعمره عشر سنوات.. والثانية حيث تعرضت حملتهم لمحاولة نهب من بدو لقاء ماء البئر.. وقال: «إن أول عمل مارسه الدكتور البريكي لدى شركة كهرباء الدمام ( دبكو)، وإبان عمله في الشركة حدث خلاف بينها وبين اثنين من الفنيين الكهربائيين العاملين فيها، فطلبا منه أن يكتب لهما عريضة تظلم من الشركة لدى مكتب العمل، وقد أحيلت العريضة لمحامي الشركة، فطلب إحالتها للأمن العام زاعمًا بأنها تحريض على الشغب والإضراب، وبالتحقيق معهما اعترفا بأن حسنًا هو الذي صاغ لهما العريضة، فبلغه خبر اعترافهما، فخشي أن يتطور الأمر ويطول الأخذ والرد فيه فيعوقه عن دراسته، فترك العمل لدى الشركة وذهب للرياض، وهناك التحق بثانوية الرياض، فنجح وابتعث لدراسة الطب في المانيا الغربية، وبقي هناك، ولم يقم بزيارة المملكة طيلة سنين دراسته.

ولما أراد الزواج من شقيقة زوجة أخيه عبد الرزاق، جاء إلى بيروت، وهناك ذهبت إليه زوجته بصحبة أختها، وزوج أختها أخوه، وتزوجا في بيروت، ثم صحبتْه إلى ألمانيا، ولما أكمل دراسته وتخصصه في الجراحة عاد إلى وطنه، وأصبح أحد الجراحين البارزين في المستشفى التعليمي بالخبر، كما إنه أحد الأطباء الذين يحاضرون بنفس الجامعة، وقد تقاعد عن العمل في عام 1416هـ 1995م».

واستدرك في الحلقة الخامسة بأن صديقهما زكي الخنيزي قد أسعفه ببعض مما جهل من مراحل دراسته، فقد درس المرحلة المتوسطة حسب نظام الثلاث سنوات. وقال عن صفاته: إنه متفائل، متطلع للمستقبل مع عشق للوطن لا يجاري.. يتذوق الموسيقى ويعشق الفن والشعر والأدب والفلسفة، بجانب ميل ملحوظ للألماني والانجليزي، وله تجارب في ترجمتها، طبع بعضها، والبعض لم يكتمل.

وقال إن علاقته (العوامي بالبريكي ) توثقت، وأصبح الأول يزوره في سكنه بالراكة حتى إنه أصبح ينضد له مقالاته قبل نشرها في الجريدة، ثم طبعها في كتاب.

وقال العوامي إنه أحد المساهمين في شركة الريادة ومجمع عيادات الدكتور البريكي فهو العضو المنتدب للإشراف على شؤون الشركة وشؤون المجمع.. وبدأ يدر ربحاً بسيطاً.. ولظروف قاهرة قدم استقالته التي لم يقبلها الدكتور أو يسمع عذره.

ترجم للدكتور حسن البريكي سعيد أحمد الناجي في كتابه (معجم أعلام القطيف) قال عنه : «.. فابتعث إلى المانيا لدراسة الطب البشري، بعد تخرجه وتخصصه عمل في ألمانيا فترة من الزمن، وهو أول طبيب قطيفي يتخرج من جامعة، وقبل عودته إلى وطنه التحق بدورة في اللغة الإنجليزية في بريطانيا، ثم التحق بكلية الطلب بجامعة الملك فيصل منذ تأسيسها لتدريس الطب البشري مع زميله وصديقه عميد جامعة الملك فيصل الدكتور يوسف الجندان. بعد تقاعده اتفق مع شركة الريادة الطبية بالقطيف وهو عضو في مجلس إدارتها يساعده في ذلك أطباء متخصصون حتى على 1430هـ حيث حلت هذه الشركة وأنهيت أعمالها.
وقال إنه مع مزاولته لمهنة الطب إلا أنه يقرأ الأدب، ويمارس الكتابة بمقالات مفيدة ينشرها في الجرائد المحلية مثل جريدة اليوم.

وقال إنه رزق من زوجته وداد ابنين هما غسان ومنير، إلا أن صديقه العوامي ينفي عنه اسم منير، ويقول إن اسمه وليد .. ومن البنات الطبيبة سارة، مستشارة الأمراض الجلدية، والدكتورة دانة (طبيبة) تعمل في مستشفى سعد التخصصي بالخبر، الذي منحها بعثة دراسية إلى كندا للتخصص في طب العيون.

وقد بعث إلى الصديق الهلال بثلاثة كتب الأول مترجم عن اللغة الألمانية بعنوان (الشيعة) تأليف د. ويلفرد بخته، والثاني (الدرب إلى سانتياجو سعياً وراء الحظ) مؤلفة جوتز لوبلمان، والثالث بعنوان مقالات لحسن البريكي والتي سبق له نشرها في جريدة اليوم بين عامي 1990 و 1993م.


المصدر: اليمامة


 


error: المحتوي محمي