إذا كان هذا النوع من المجاملة والمداراة هو الكذبة الوحيدة في حياتنا، الكذبة التي تقرب، الكذبة التي تقلل الطلاق، الكذبة التي تجلب المحبة، فمرحبًا بها من كذبة، صغرت أم كبرت، ولنُكثر منها!
عزيزي القارئ الكريم، لا تأخذ هذه الخاطرة على أنها فتوى أو حثّ على الكذب -معاذ الله!- لكنها دعوة وحثّ على مجاملة الزوجة، لأن ذلك يفرحها:
خَدَعوها بِقَولِهِم حَسناءُ ** وَالغَواني يَغُرُّهُنَّ الثَناءُ
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): “قول الرجل للمرأة إني أحبك لا يذهب من قلبها أبدًا”. في مجتمعنا الصدق في العلاقة الزوجية يصل حد المبالغة: اليوم أكلك ليس طيبًا! أكثرتِ من الملح، اللحم لم ينضج!
تعرف المرأة أن الرجل يجامل أو “يكذب”، لكنها محتاجة إلى الكذب “الشهي”، وسوف تتغاضى عن كثير من عيوبه! داريها، جاملها، اسرق مشاعرها! ليس عيبًا طراوة اللسان والكلمات العذبة والحلوة. إن لم تستطع الصدق، اكذب على زوجتك إن أحببت أن تسميه كذبًا أو تورية. قل لها: أنتِ أجمل ما خلق الله! أنتِ “أشيك” امرأة! سوف يكون هذا أفضل إثمٍ جنيتَه وارتكبتَه في عمرك!
لا نستطيع أن نسيطر على القلب، لكن نستَطيع أن نسيطر على اللسان. نستطيع أن نجامل ونراعي المشاعر. سامح الله ذلك الصديق القديم الذي أسأله: لماذا لا تجامل ولو قليلًا؟ يا عمِّي يا سيدي! جوابه: أنا صريح! لا أحب المجاملة أبدًا! الذي في قلبي على لساني! الصراحة راحة! لا أحبّ الكذب!
لو أن أناسًا في الخيال العربي مثل قصة حب قيس بن الملوح وليلي انتهت بزواج وعاشا حياةَ الأزواج التقليدية، لما كنا الآن نقرأ ديوانًا من الشعر والغزل الجميل، لشخصٍ ملتهب العواطف. ربما قصيدة أو اثنتان قبل الزواج وبعد ذلك صمت ونقار! لكنهما عاشا أصدقاء، فها نحن نقرأ قصة غزلية – حقيقة أم خيال – من أجمل القصص!
يكبر الأبناء والبنات، في بيئةٍ لا يسمعون فيها كلمات التودد والغزل بين الأم والأب! هم أيضًا يوفرون مشاعرهم ويكنزونهَا مثل الذهب والمال! نتمنى أن تكون الأزواج الشابة منفتحة على التودد أكثر من أسلافها، حتمًا ينتج زواجًا أكثر استقرارًا وسعادة، وتقل حالات الطلاق.
غير ذلك من أنواع الكذب، فهو كما قال بشار بن برد:
لي حِيلَةٌ في مَن يَنُممُ ** وَلَيسَ في الكذّابِ حيلَه
مَن كانَ يَحلُفُ ما يَقولُ ** فَحيلَتي فيهِ قَليلَه