خصائص بيئة العمل التنظيمية  

تتميز بيئة العمل الداخلية بعديد من الخصائص التي تؤثر على الأداء العام للمؤسسة وتسهم في رفع أو خفض مستوى الالتزام التنظيمي في ضوء التأثيرات الإيجابية أو السلبية لعناصر هذه البيئة. وتنقسم هذه الخصائص بشكل عام إلى خصائص البيئة التنظيمية، وخصائص البيئة الوظيفية، وسأجتزئ المقال إلى جزأين:

أولًا: خصائص البيئة التنظيمية:
وتتضمن هذه الخصائص التالي:
1- الهيكل التنظيمي:
يخلق الهيكل التنظيمي المرن بيئة تنظيمية أفضل تساعد على رفع مستوى الالتزام التنظيمي من خلال تحديد خطوط السلطة والمسؤولية مع إتاحة قدر أكبر من اللامركزية عبر خطوط انسياب هذه السلطة، مما يمنح العاملين قدرة أكبر على الإبداع والابتكار ويزيد من فرص نمو الالتزام التنظيمي، بخلاف الهيكل التنظيمي الجامد أو المتصلب الذي يعوق تأقلم العاملين مع البيئة.

2- المناخ التنظيمي:
المناخ التنظيمي هو شعور أو الشخصية والطابع المميز لبيئة المنظمة، وهو أيضًا الأجواء التي تعكس خصائص البيئة الداخلية في وعي الأفراد العاملين بالمؤسسة وفي وطريقة إدراكهم وتفسيرهم لها وتأثير ذلك على سلوكهم وأدائهم .

يشكل المناخ التنظيمي: “الحصيلة لكل عوامل البيئة الداخلية كما يفسرها ويحللها العاملون فيها، والتي تظهر تأثيراتها على سلوكهم وعلى معنوياتهم وبالتالي على أدائهم وانتمائهم للمؤسسة التي يعملون فيها”.

يسهم المناخ التنظيمي الإيجابي في تعميق مفهوم الالتزام التنظيمي بين العاملين من خلال ما يقدمه على الهيكل التنظيمي من مرونة تزيد من قدرته على الاستجابة والتكيف مع متغيرات الظروف الداخلية والخارجية، فضلًا عن إثارة التحدي لدى العامل فتدفعه إلى التجربة والابتكار والإبداع، والسعي للإنجاز للحصول على المكافأة أو الترقية التي يوفرها المناخ التنظيمي الإيجابي، بخلاف المناخ التنظيمي السلبي الذي يقلل الالتزام التنظيمي بسبب جموده وضعف قدرته على الاستجابة والتكيف مع متغيرات الظروف الداخلية والخارجية، مما تقلل من قدرة العاملين على مواجهة التهديدات التي تؤثر سلبًا على مكاسب المؤسسة في ضوء استمرار متطلبات العمل الروتينية المتفشية التي تكرس الملل وتحد من الإبداع.

3- القيم التنظيمية:
تعرف القيم بأنها: “ميل عام لتفضيل حالات وشؤون معينة على أخرى، ويعني جانب التفضيل هنا أن القيم تتعلق بمشاعر وعواطف وأحاسيس ومبادئ تجعلنا نميز بين الجيد والسيئ”، وتسهم القيم التنظيمية الإيجابية في زيادة الالتزام التنظيمي، حيث تشكل المرجع الأساس لما يصدر عن الفرد من مشاعر وأحاسيس وأفكار وطموحات وآمال وأقوال أعمال وإنجازات، كما أنها المكون الحقيقي لشخصية الفرد التي تميزه عن غيره من الناس، فالقيم هي المعيار الذي يحدد مكانة وقيمة وقدر الإنسان في المجتمع، فهي المرجعية التي تحكم تصورات وتصرفات الفرد، والسياج والحصن الذي يحميه من الانحراف والزلل والخطأ.

ويشير (الكبيسي، 1998) إلى أن العلاقة بين القيم السائدة في بيئة العمل والالتزام التنظيمي تظهر بدرجات متفاوتة، وتعد القوة والشجاعة إحدى الوسائل المهمة في هذا الإثبات، لذلك فإن وجود القيم لدى العاملين قد يسهم في انخفاض أو ارتفاع معدلات الالتزام التنظيمي والصراع التنظيمي وضغوط العمل بحسب نوعية القيم الموجودة لدى العاملين ومدى رسوخها، قيم التسامح، والمحبة، والطاعة، والتهذيب، وتحمل المسؤولية، والانضباط لها علاقة مباشرة بالمحافظة على الالتزام التنظيمي، إلا أن قيمة الشجاعة قد تدفع إلى ارتكاب السلوك العنيف الذي يتعارض مع الالتزام التنظيمي ويخفض مستواه، فدور القيم هو ضبط الثبات الانفعالي وتهذيب سلوكيات العاملين؛ لأن القيم هي المرجع الأساس لضبط السلوكيات في إطار الأوقات الاجتماعية والأعراف السائدة.

4- الثقافة التنظيمية السائدة:
تعرف الثقافة التنظيمية بأنها: “مجموعة القيم والمفاهيم الأساسية التي يتم إيجادها وتنميتها داخل مجموعات العمل في المؤسسة وتعليمها للعاملين لتحديد طريقة تفكيرهم وإدراكهم وشعورهم تجاه بيئة العمل الداخلية والخارجية وتحدد سلوكهم وتؤثر في أدائهم وإنتاجيتهم.

وتسهم الثقافة التنظيمية المرنة في رفع مستوى الالتزام التنظيمي عن طريق إرساء وفهم قواعد سلوكية تتطلب أن يكون الموظفون مبتكرين ومبادرين مع منحهم حرية التصرف بدرجة ما، وزرع قيم تقتضي ضرورة التشاور مع رؤسائهم قبل اتخاذ القرارات المهمة والمناسبة، بمعنى إرساء قواعد التهيئة الاجتماعية اللازمة للمؤسسة التي تصف كيفية تعلم الأفراد للثقافة التنظيمية من خلال اندماج الأعراف وتعلمهم القواعد السلوكية والقيم المتعلقة بالثقافة التنظيمية حتى يصبحوا أعضاء فاعلين ومشــاركين، بخلاف الثقافة التنظيمية الجامدة التي تقلل مستوى الالتزام التنظيمي من خلال تشكيل ضغوط على العاملين تحد من إبداعاتهم وتجعلهم يشعرون بالملل والإحباط في انتظار الأوامر والتعليمات الروتينية المتكررة.

5- أنظمة وإجراءات وسياسات العمل:
الأنظمة هي القواعد القانونية التي تحكم العمل، أما الإجراءات فهي: “الخطوات التي تمر بها المعاملة من البداية إلى النهاية بأسلوب محدد سلفًا لكيفية أداء الأعمال واتخاذ القرارات الخاصة بها، بينما السياسات هي: “مجموعة المبادئ والقواعد التي تحكم سير العمل، والمحددة سلفًا بمعرفة الإدارة، والتي يسترشد بها العاملون في المستويات المختلفة عند اتخاذ القرارات والتصرفات المتعلقة بتحقيق الأهداف.. فإن وضوح أنظمة وإجراءات وسياسات العمل يسهم في زيادة الالتزام التنظيمي، بخلاف الأنظمة والإجراءات والسياسات غير الواضحة أو المتحيزة والعشوائية التي تخفض المعنويات وتخفض مستوى الالتزام التنظيمي.

6- نمط القيادة:
يؤثر النمط المهيمن للقيادة في بيئة المؤسسة الداخلية بشكل مباشر على الالتزام التنظيمي للعاملين، فالقائد الأوتوقراطي المستبد يهيمن على جميع الصلاحيات والسلطات بيده، ويتخذ من المركزية أسلوبًا أساسيا في العمل مما يخلق بيئة غير مناسبة لنمو الالتزام التنظيمي، على عكس القائد الديمقراطي الذي يعتقد في ضرورة مشاركة العاملين في اتخاذ القرارات ووضع خطة العمل وأساليبه، مما يزيد ثقتهم بأنفسهم مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى التزام التنظيمي لديهم، أما القائد الفوضوي أو المنطلق الذي لا يتدخل في تحديد الأعمال، أو توظيف من يقوم بها، ويترك للعاملين حرية العمل بالطريقة والأسلوب الذي يريدونه دون رقابة أو متابعة، مما يؤدي إلى ظهور الأعمال الفردية غير المنظمة، حيث يتحرر العاملون من أي سلطة للقائد، مما يؤدي إلى التضارب والتنافس والتنازع والاختلاف بين أفراد المجموعة نتيجة إتباع كل منهم أساليب مختلفة عن الآخرين، مما يؤدي إلى تعارض كبير في تنظيم العمل وضغوط العمل، ومن ثم انخفاض مستويات الالتزام التنظيمي. أما القائد التحويلي فيساعد على ارتفاع مستوى الالتزام التنظيمي من خلال تعزيز قيم التغيير، وتطوير مهارات العاملين والتركيز على القيم المشتركة، وتطوير المرؤوسين. وكذلك الحال بالنسبة لنمط القيادة بالأداء، فالقائد في هذا النمط يهتم بتحفيز الأفراد أوليًا من خلال تبادل المكافآت الاستثنائية، وتحديد الأهداف، وتوضيح أوجه الاتفاق حول ما يتوقعه من أعضاء المنظمة، وكيف يمكن مكافأتهم على جهودهم والتزامهم، مما يسهم في رفع مستوى الالتزام التنظيمي.

7- نمط السلطة:
يؤثر نمط السلطة السائد في بيئة العمل على الالتزام التنظيمي، حيث تسهم المركزية المتطرفة في قتل روح المبادرة والابتكار، وخفض الروح المعنوية وتعطيل الأعمال، وزيادة الكسل والتراخي وعدم الاكتراث بالعمل، مما يؤدي إلى انخفاض مستوى الالتزام التنظيمي، بعكس اللامركزية التي تسهم في رفع مستوى الالتزام التنظيمي نتيجة لإحساس العاملين بأهميتهم ومشاركتهم الفعلية في اتخاذ القرارات، فيقبلون على العمل ولديهم قناعة بأهميته وبأهمية إنجازه بشكل صحيح.

8- الوصف الوظيفي:
يشير الوصف الوظيفي إلى وصف مكتوب للعمل الذى يؤديه الموظف، بدءًا من عناصر بيانات العمل الأساسية التي تحّدد العمل. ويتكون بشكل عام من معلومات أساسية على الوظيفة بما في ذلك مسّمى العمل الوظيفي وفقرة موجزة قصيرة عن الأهداف الأساسية المراد من الموظف تحقيقها، وبيانات تفصيلية عن الواجبات والمسؤوليات، مع توضيح كل واجب ومسؤولية في فقرة منفصلة. ويبين الوصف أيضا علاقات الوظيفة، الواجبات والمهارات اللازم توفرها في القائم بأعمال الوظيفة، ويسهم هذا الوصف في توضيح مهام وواجبات ومسؤوليات الوظيفة، وإزالة اللبس والغموض، ومن ثم رفع مستوى الالتزام التنظيمي نتيجة إدراك كل عامل لمهام وحدود واختصاصات وظيفته.

من كتاب: أثر الالتزام التنظيمي في تحسين بيئة العمل وضمان الجودة
تأليف:  د/ هاني آل غزوي 2020م



error: المحتوي محمي