فقدت الأشياء قوتها ولم تعد تجدي نفعًا بشيء.
لا الدموع التي سالت دون توقف
لا عناق الأذرع حول جسدك
لا الأيدي الراجفة التي توقظك
لا دعوات الرجاء الطالبة بعودتك
البيت الهادئ امتلأ صراخًا أوقظ كل العيون النائمة، ومازالت عيناك مغلقتين، كل أمنيات الدنيا انحصرت في معجزة تبقيك معنا وتمنع رحيلك، وانهارت تلك الأمنيات عندما حملك المسعفون من دارك الدافئة التي لفظت فيها آخر أنفاسك والبيت الذي اعتاد صوتك ورائحتك وسير أقدامك، وضعوك خلف سيارة مشت ببطء تسير بك للمرة الأخيرة في شوارع الأوجام؛ لتشهد الطرق بأعينها فاجعة رحيلك.
ذهب إلى فراشه، بعد أن قضى ليله في المأتم يعزي نبي الأمة بفقد عزيزه الإمام الحسن، نوبة قلبية جعلت أبا فاضل يغفو بسلام، مات بصمت وهدوء في ظلمة الليل، لم ينتظر نور الفجر ؛ لأن أنوار أهل البيت كانت محيطة به، تستقبله لداره الجديدة التي بناها بيده الكريمة التي أعان بها من استطاع، وبقلبه الطيب الذي جعل المحبة له بكل من التقاه، وببسمته التي تستقبلك عند لقياه.
استعجلت الرحيل يا ابن العم، مازالت الحياة تحتاج نقاء روحك وجمال حضورك ؛ لتضيف فيها الكثير ؛ لكنك نجحت مبكرًا في امتحان الدنيا وأراد الرحمن لقياك وإسعادك ومكافأتك.
كم عدد الأيدي التي تنافست لتحمل جسدك الذي ارتدى البياض؛ لتودعك الوداع الأخير، كم عدد من يشعر بثقل قلبه من وجع فقدك ؟ كم عدد من انصدم من سماع خبر نعيك ؟ كم عدد من تمنى محادثتك والاستزادة من معرفتك ؟ كم عدد من قرأ لك الفاتحة بمحبة ووفاء ؟ هذا الكم من المحبين لم يكن حبهم لك عبثًا، هذا الحب هو أقل ما يمكن تقديمه لشخص عاش ؛ ليسعد من حوله بكل ما يستطيع به من مال ووقت وجهد، شخص لم ير منه الناس إلا حسن الأخلاق الطيبة التي جذبت الجميع إليه.
هناك من سيغير فقدك حياتهم للأبد، هناك من ألسنتهم ستكون يتيمة لن تنطق اسم (أبي) مرة أخرى. وزوجة ثكلى تركت لها ذكرى في كل زوايا البيت واتجاهات الحياة، وكسر قلب أم ستتوقف بسمتها طوال العمر، ووجع أخ فقد توازن إخوته وسنده في الشدة والرخاء. حتى سيارتك المركونة بعيدًا سيطول انتظارها إليك كثيرًا.
نعم صدى ترديد اسمك سيشتاقه الكثيرون، وأنا واحد منهم ؛ لكنك تركت خلفك أربعة أبطال (فاضل وأحمد وصادق ومحمد) هم أعمدة بيتك الذين سيعمرونه من خلفك، حسن تربيتك لهم وعطاؤك اللامتناهي لسعادتهم، سيجعلهم خير خلف لك، هذا ما يجعل الناس يذكرون اسمك قبل اسمهم في كل خير هم سائرون به على خطاك بإذن الله.
إن أباكم كان بدور أخ وابن وأب وجار وصديق للكثيرين دون تردد وقت احتياجهم؛ واليوم أنتم أمانة لدى الأوجام ولديكم أب في كل دار فيها ونحن معكم وحولكم بكل الأوقات.
إن الرحمة التي نملكها هي جزء لا يذكر من رحمة الله، فنسأل الله واسع الرحمة منه إلى العزيز على قلوبنا الفقيد السعيد عباس علي الناصر، وواسع الصبر والسلوان إلى جميع أهله ومحبيه، وأن يعوضهم الله العوض الحسن والهداية والرحمة بتقبلهم قضاءه وقدره فهو من قال {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}.
وقليل ما نقدمه هو قراءة الفاتحة لروح العزيز (أبا فاضل) كلما اشتاق القلب له؛ ليعلم أنه جزء من الأوجام، فقده خسارة لن تعوض وبصمته باقية إن شاء الله بذريته.