متى يعي البعض -هداهم الله- أن أدوارهم لا تدوم بدوام الحياة، وقد انتهت وتوقفت عند الحد الذي يستلزم استلام الراية من آخرين لإكمال المشوار؟ وأن عليهم المحافظة على تاريخهم وإنجازاتهم ومكانتهم الاعتبارية.
متى يفهموا أنه مهما كان اعتدادهم بأنفسهم، فإن ذلك لا يعني وجوب تواجدهم دومًا، أو قبولهم طوعًا أو كرهًا من الآخرين، فلكل شخص أو مجموعة الحق في إثبات وجودها وفي أن تتسلم الدفة وتقودها كيفما اجتهدت وارتأت تمامًا مثلما كان غيرهم.
فرض النفس بالقوة لا يستقيم، فكما كنت أنت في يوم تخدم بلدك مشكورًا في جهة ما، فها هو غيرك يقوم بمثل ما قمت به. فمهمتك انتهت وأتى غيرك ليبدأ حيث توقفت وهي سنة الحياة، فلو دامت لك ما وصلت لغيرك.
نعم لو تمت الاستعانة بك أو بي أو بأي طرف آخر، فأهلًا وسهلًا وهو أمر يحسب للطرف المعني بالاستدعاء، وهذه عين الثقة في شخصك أو في غيرك ولكن ذلك لا يعني فرض الوصاية ومحاولة الاستئثار بالرأي والقرار، وإن لم يحدث ذلك تبرطم وتمد بوزك شبرين تعبيرًا عن سخطك وتذمرك وكأنه لا يوجد في الكون سواك.
علينا أن نكون واقعيين ونحترم الآخر ونقدر المهمة التي يتحملها مثلما كنا مكانه يومًا من الأيام بدلًا من المحاولات الحثيثة لإسقاطه، أو أن نقوده كيفما نريد إرضاء لغرورنا وأنانيتنا والتي تجعلنا نتوهم أننا الأفضل دومًا وأبدًا، والمسكين الآخر لا يمكنه القيام بفعل شيء من دوننا، وكأننا كنا في يوم من الأيام نقوم بمهماتنا على خير ما يرام، ونحن نمعن في إثارة المشكلات أمام القائمين وكأنه لا تكفيهم التراكمات السلبية التي ربما خلفناها لهم يوم كنا على رأس المسؤولية وصاروا يعانون منها بشكل يعرقل عملهم.
لسنا ملائكة أنا وأنت وذاك، حتى نظن أننا الأفضل وغيرنا الأجهل وأنه لا أحد غيرنا يستطيع القيام بالمهمات خير قيام وربما كان هو أفضل منا بمراحل، لهذا علينا تقدير الناس الذين يعملون مثلما كان غيرنا يقدرنا.
علينا نبذ حالة الاستعداء والخصومة التي نمعن فيها عندًا ومكابرة وأن نؤمن بحق الآخر في تقديم نفسه بدلًا منا، ليكمل المشوار من حيث انتهينا.
كم نعاني نحن من مشكلات كثيرة خلقتها حالة الأنانية التي تتغلغل فينا وكأننا نزلنا من السماء وفي أيدينا الدساتير التي لا يجيد فحواها سوانا.. وكم نعاني من المحاولات الفجة للكيد بالآخرين ومضايقتهم ونشر الصور السلبية عنهم بشكل حثيث لا يكاد يفتل أو يخف أو ينتهي، والنتيجة ماذا؟ فقط التأثير السلبي الذي ينعكس على العطاء وجودة الخدمة، فلا يمكن أن نحاسب أحدًا عم قدم وفعل ونحن نقف له بالمرصاد ونضع العراقيل أمامه حتى يسقط، وبعدها نضعه في قفص الاتهام والمحاكمة ونقول ما الذي قدمه؟
الحقيقة المرَّة والمؤسفة هي الارتداد السلبي على الجميع وتراجع النجاحات والإخفاق في تحقيق الأهداف وبالتالي لا يمكن لأحد أن يتنصل من مسؤوليته، وبأنه كان أحد الأسباب، أو ربما السبب الرئيس الذي هدم أركان البناء ليصبح ركامًا وكأنه يقول: عليَّ وعلى أعدائي وإخواني وأصدقائي، فإما أنا أو الطوفان.