لا يمتلك اللباقة مطلقًا، يحشر أنفه في كلّ شاردة وواردة، هو ابن خالتها تقدّم لخطبتها وأرادت أن تقدّم أسبابًا منطقيّة لرفضه خاصّة أنّها تحمل الودّ والاحترام لخالتها وبنات خالتها.
ما أن جلست معه حتى بدأها بسيل من الأسئلة لم يتوقف إلا عندما قررت أن تنصرف عنه، وبكلمة صارمة أخذت قرارها قائلة: حقيقة قد يعجز الإنسان عن تحويل بعض المعادن بسيطة التكوين إلى معادن ثمينة.
لقد اكتسبت حياتنا الحديثة شيئًا من الخصوصية بالرغم من هيمنة الانفتاح الشامل على العالم، حيث نبذ البعض الحديث العلنيّ عن أموره الخاصة إلا بالقدر المراد إيصاله للناس برغبته الشخصية؛ لذلك كان إقحام الأنوف وحشرها فيما لا يعنيها منافيًا للآداب الاجتماعية والإسلامية.
ويُعدّ الفضولي من أقبح الناس حضورًا في المجتمعات العامة لذلك يُنصح بمجابهته بنفس أسلوبه، سؤال بسؤال شريطة ألا يشعر بإهانة أو استهزاء فيغادر وقد أُصيب بخدش في مشاعره وبالتالي قد تفقده صديقًا وتكسبه عدوّا، وصوت العقل يقول: (لا تتساهل بكسب الأعداء أو فقدان الأصدقاء).
ولأنني مؤمنة بأنّ (مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ) فقد أقفلتُ جميع أبواب الاستفسارات الخاصّة. ولكوني معلمة لأجيال مختلفة شعرت يومًا ما بنظرة مريبة من إحدى طالباتي عندما سألتُها عن أحوالها الدراسية حبّا في الاطمئنان على مسار حياتها، لا أعلم حقيقةً هل كانت ترميني بسهم الفضول أو ربما فهمت مقصدي جيدًا من السؤال عنها معتمدةعلى معرفتها السابقة بي؟ إلا أن الموقف جعلني أحجم عن أيّ سؤال قد يصفني بالفضول.
أعرف جيدًا أنه من السهولة التفريق بين سؤال الفضوليّ من غيره لكن الأمر لا يعدو كونه علاقة سريعة وعابرة فلا داعي لتحميلها فوق طاقتها.
من جانب آخر، لابد أن نُشير إلى أن الفضول يدفع بصاحبه لمعرفة المزيد من المعلومات فهو القدرة الديناميكية التي تدفع عجلة العقول وتهدف إلى تعلّم ما يجهله الإنسان وهو في أشد حالاته المعرفية ويعرف حينها بفضول الكبرياء.
نحنُ نسأل لنعرف الجديد عن العالم الذي نعيش فيه،.وكلّ مُنْجَز بدأ بفضول وحرّك العقل النشيط أما حشر الأنف فهو تدخّل مُقيت يُزعج الآخرين، وقد يستدعي قطع أواصر المحبة.
ختامًا، لابد من معرفة أن الحقيقة المهمة التي أجمع عليها الكثير من الاجتماعيين أنّه عندما يترك الإنسان معارفه وقرابته وشأنهم الخاص ويهتم بصورة رئيسية بأموره الخاصة يدرك أن حياته تحسنت بصورة جيدة وأصبحت أكثر إثراء.
إنّ أصوات المحبة والسلام والصفاء جعلت عالمنا يضج بألوان جميلة من الرضا والقناعة ولعلها قد فشلت بأن تجعلني أحادية المكان؛ لأن الكثير قد يُجيد فهمك ويجعل اسمك يتردد بعذوبة على آذان الناس.