تدخلات.. بعضها وساوس شيطانية

في مجتمعنا من ينصّب نفسه قاضيًا مرشدًا مربيًا أوحد لا يُجارى، يحاول فرض رأيه بقوة في الساحة إن استطاع لذلك سبيلًا” أو يكسب الشهرة بأصوات جهلة المجتمع البسطاء متواضعي الفكر دون التحقق مما يناسبه من ألقاب” يخطّيء ويعقم الآراء من حوله، وأنها عاجزة أن تُعالج مشكلات حملتها أو بعضًا منها. والغريب أن بعض هؤلاء يتدخل دون طلب من أصحاب الحاجة، وأفكاره غير علمية أو ملمة لا تواكب زمانها، فاقد الخبرة في الإصلاح الأسري والتوجيه الدراسي والتربية المعاصرة، ليس مطلعًا على القواعد الدينية ومن غير الأكاديميين ويفتي فيها، أبناؤه يحتاجون مربيًا، ويريد أن يربي من سواهم، هنا نستعرض ثلاثة محاور:

أولًا: في الإصلاح الأسري:
1- العلاقات بين الزوجين صعب الوصول إلى حقيقتها، وإن أفصحا بما بينهما من مشكلات يبقى الرقم الأهم في المعادلة “ضميرًا مستترًا تقديره قلباهما” وما لم يتعاملا بالمعروف المشترك وإخلاص النوايا والثقة المتبادلة لن تستقيم حياتهما، فإن احتاجا محكّمًا مصلحًا يجب أن يكون هذا الأخير عارفًا، خبرته واسعة في مثل هذه القضايا، متفهمًا مطالب الطرفين خصوصًا الزوجة المسلوبة الولاية، على دراية بما يمكن وما لا يمكن، يضع الفتاوى والتعليمات الشرعية على بساط الحوار نصب عينيه، لا يحيف في حكم إن أمكنه ذلك وإلا فالعافية خير له، أما إن كان الوسيط جاهلًا وخالف العدل فقد وقع في المحظور، ظلمات وشبهات من حيث لا يعلم، وتبعات ما يتخذه خراب الأسرة وضياع الأولاد ولو بعد حين، حكمه في غير محله “أسد ضار” في أحلك الظروف تبرز أنيابه.

2- نعاني كثيرًا عند حل الخلافات الزوجية من تدخل الوساوس الشيطانية “وهل من الشياطين يُرتجى الخير ؟” وأعمال المشعوذين المحتالين لزعزعتها، أما الأول: يفسد ولا يصلح عنادًا قاصدًا الفتنة بين الزوجين، يقنع أحد الطرفين أو كليهما على حِدة بأنهما لا يصلحان لبعض، الزوج مقصر وغير مؤهل ولا يقدّر الحياة الزوجية، فإن خلعته الزوجة ألف يتمنى الزواج منها، وإن جاء للزوج كرهه في زوجته وألبسها عيوبًا ليست فيها وحبب له غيرها “عميل مزدوج” وبحسن نية ومن باب الثقة وأنه ناصح لهما ولم يطلعا على خبثه يسمعان له فيحقق مناه، وأما الثاني: المشعوذون هم مَن يعملون لحساب الطابور الثالث الذي يريد التفريق بين الزوجين، يدفع الكاره أو المعادي لهما أو لأحدهما أجرًا ماليًا وهدايا في سبيل الوصول لمراده {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}ولكن لِأعمالهم الخسيسة المحرمة هذه آثار نفسية حارقة على من عُملت له، تشتد حدتها عندما يُكتشف أنها في مكان مخيف المقبرة مثلًا أو جثمان ميت حال تكفينه.

ثانيًا: اختيار الطالب تخصصه:
1- أولادنا خُلقوا لغير زماننا، لهم توجهات ونظرات مستقبلية، وهواياتهم الحديثة عند التخرج من المرحلة الثانوية أكثرهم حدد اتجاهه مسبقًا مضمرًا لم يعلم أو يطلع عليه أحد لخصوصيته، وفي المقابل بعض الآباء يريد توجيه ولده كيفما شاء دون علمه بما يدور في خاطره “وهو ليس أكاديميًا” فإذا اتضحت الصورة واتسعت فجوة الخلاف خلقت مشكلة، الولد يريد والوالد يريد، تصل إلى حد إجبار الولد على ما يكره وحرمانه مما يحب، فيدخل تخصصًا نتيجته الفشل أو العدول عنه في آخر مراحله، وفي كلتا الحالتين خسر سنوات من عمره، للأب أن ينصح ويزين لولده المحبوب ولكن بالمعروف والحسنى، أما إلزامه أخوك طبيب وابن عمك مهندس وزميلك ضابط أريدك واحدًا منهم والولد كاره أو غير قادر على تلبية إحدى هذه الأمنيات، إنه تحطيم لمستقبله.

2- الطالب له زملاء دراسة والصداقة تربطه بهم، يرغّبونه في إكمال المرحلة الجامعية معهم وهو يفضل الالتحاق بتخصص مخالف أرقى مما هم فيه لتفوقه في مستوى الدرجات عليهم ورغبته فيه، هنا تبرز فكرة الحسد أو المحبة لو أحسنا الظن تجاوزًا فيزينون له ما هم فيه ويعيبون ما هو مقدم عليه، ويكثرون من تحسين هذا وتقبيح ذاك إلى أن يستجيب، إذا كان مقتنعًا لا بأس أما مراعاة للصداقة فقد حرموه لحسابهم.

مواقف مثل هذه غير مقبولة لا من الأب ولا من الأصدقاء، الاختيار الأول والأخير لصاحب الشأن فإن استشار من يثق به من الناصحين وأهل الخبرة واحتاج توجيهًا، بُذل له النصح وإلا ترك وما يختار.

ثالثًا: طموح الأطفال وهواياتهم:
1- يعاني بعض الأطفال من كبت حريات الطفولة البريئة وما فُطروا عليه، خصوصًا من الآباء التقليديين في تربيتهم والإخوان المتسلطين، عندما يلعب أو يمارس هواية أو حبه لنوع من الرياضة “أو البنت في الخياطة والفن وتزيين النساء” أو رفقة أصحاب العمر يمنعونه منها. وهذا بالتأكيد يؤثر على حياته عندما يكبر وحالة اندماجه في المجتمع، فيرى نفسه غريبًا وقد سبقه الكل فيما كان يفكر فيه ويتطلع إلى ما حُرم منه بالأمس واليوم فاته القطار وأصبح بعيد المنال، عندها تعتريه حسرة على ما فاته وفاز به غيره. والصحيح أن يُراعى هذا ويتابع حسب التربية والتعليمات الإسلامية ومقتضيات الزمن المفيدة المستقيمة، وكيف قسمت مراحلها لينتهي إلى آخر الخريطة المرسومة بسلام ويُضمن عدم نقمته على المجتمع وانحرافه إذا كبر.

2- في بعض المساجد والحسينيات وليس الكل يُعامل الأطفال بقسوة شديدة إلى حد الاستغراب، بعض العلماء والخطباء والمتواجدين يصرون على طردهم وإخراجهم بقوة وإن كانوا في سكون فضلًا عن حركاتهم الطفولية المعروفة المتقبَلة، ولهذا مردود نفسي سلبي على الطفل، حيث يكره دخول هذه الأماكن المقدسة الشريفة وربما يتجه بفكره فيما بعد إلى من يحتضنه ويلبي طموحاته المستجدة وإن خالفت معتقده.



error: المحتوي محمي