تعدد القتل والأدوات مختلفة

لعل من يظن أن القتل منحصر في إزهاق الروح البشرية المحترمة فقط وإن كان هذا الأعظم بينها، وفي الحقيقة هو أنواع لا حصر لها تتجسد في تصرفات وأساليب وتعاملات نقوم بها كل يوم تجاه الآخرين من حيث لا نشعر بخطرها وعواقبها الوخيمه، وما تتركه من آثار سلبية على ضحاياها أبرزها وأكثرها شيوعًا القتل الأسري والمعنوي والمادي، ولا نحتاج هنا لسيف بتار لتنفيذها ولكن نستخدم أدوات سوء أخلاقنا وكلماتنا الجارحة وتغييب ضمائرنا ولا يهمنا ذنبها أو نحسب لعواقبها وآثامها.

أولًا: القتل الأسري:
يرى الناسُ المتدينَ شكلًا ويسمعونه يتحدث عن إنجازات قام بها غيره، يفخر بها وهو منها خالٍ، لا تعنيه من قريب أو بعيد، وليس جزءًا منها وربما كان فاعلها بعيدًا عن الدين، وهذا لعق على لسانه رسمه في لحيته وركوعه وسجوده، ومع ذلك هو القاتل لأسرته التارك لزوجته التي تعاني من مشكلات صحية “وهي لا زالت على ذمته” مع أولادها المعاقين، وغيره من يعيلهم بالمعروف ويؤويهم، لا يهمه أحوالهم مع علمه بما يعانون يتباهى أمام الآخرين بتعاليم الدين حلال وحرام “متى عرفت الحلال لتتكلم عن حرامه؟” يجوز “ما عندك لا يجوز حتى تتفوه بيجوز؟” مكروه وواجب “لم تقم بالواجب لتعرف به من يجهله؟” ومستحب “ولم يترك حرامًا وما لا يجوز ولا مكروهًا إلا ارتكبه بوقاحة وغرق فيه” وعائلته ولا كأن بينه وبينها نسب، هؤلاء يتمنون الموت لما بهم وهو يتمجلس في الديوانيات الواحدة تلو الأخرى، وحديثه: زيد على خطأ، وعمرو لم يعرف لنفسه، وطابت له الأسفار شرقًا وشمالًا متى أراد، أليس هذا قتلًا للأم وأولادها، للاسرة بأكملها؟ أما آن لمثل هذا أن يستحي من ربه ويخجل من نفسه، ونظرة مجتمعه إليه ويتعظ من أفعاله ويخاف الحساب وسوء المنقلب، متى يستيقظ من نومه أم فقد إنسانيته للأبد؟ إذ لا يهمه إن كُسر ظهر الأم أو شُلت يداها من حمل معاق أو أكثر. صحيح هم قليلون ولا يمثلون ظاهرة لكنهم موجودون وواحدهم كثير.

ثانيًا: القتل المعنوي:
البعض يسعى بعدة طرق مختلفة وبما أوتي من مكر وخداع وأداة جاهدًا لإحباط ما يقوم به غيره “قد يكون قريبًا له أو صديقًا لا يهمه أمره” من أعمال ناجحة أو محاولات لإنجازها، إما بتخطئة من يقوم بها وخلق معوقات فكرية ومالية خيالية في طريقه وتخويفه بما يؤول أمره إذا لم يتوقف إلى أن يقنعه -حسدًا لا حبًا- بتركها لحتمية الفشل حسب زعمه أو لأنه غير كفء لها “وكأنه من الناصحين وهو ليس كذلك” بدلًا من تشجيعه معنويًا ودعمه ماديًا إن احتاج، يقتل طموحاته وفي الواقع لا يفهم ولا يفقه ما هي وما تبعاتها ولا يعرف أو يؤمن بشيء يُسمى دراسة جدوى كما هو حال المشروعات الحديثة، يدخل بيتًا زائرًا بدلًا من أن يبارك لصاحبه المستضيف يسرد له ألف عيب فيه، يقتل فرحة أصحابه الذين بذلوا جهدًا ومالًا واستدانوا ليسكنوه، ينتقد ما يُلبس ويُؤكل ويُركب، يعيب مراسيم الزواج والضيافة أو أي مناسبة “كسر خواطر” وهو لم يستضف أحدًا في بيته، كل هذا دون أن يُستشار أو يُطلب رأيه، ويخون من وثق فيه وائتمنه على أسراره الخاصة التي لم يطلع عليها أحد سواه وهنا قتل الثقة “يا هذا أترى الكل على فكرك وذوقك أم تريد تكملة نقصك وتغطية فشلك؟ “إنها النفس الخبيثة الأمارة بالسوء مرض لا يعالج، داؤك لا دواء له”.

ثالثًا: القتل المادي:
وأعني به سلب المال من صاحبه بالنصب والاحتيال، كم جامع لمال على مدى سنوات عمره من تجارة أو تقاعد عمل أو من تركة راح منه حسرة في غمضة عين، يأتي من يقتله دون وازع من دين أو ضمير، حين يأخذه بالحيلة، يمسي هذا غنيًا ويصبح معدلًا، ومَن استولى عليه يصرفه فيما يعنيه وما لا يعنيه؛ لأنه لم يجد تعبًا أو تصبب عرقًا في حصوله ولا أمل في إعادته لمستحقه وإن شكاه. أليس هذا قتلًا للمال وصاحبه، ألا يتمنى المغدور به الموت بعد ذهاب ما يملك . أو نكران أمانة عند مَن ظُن أنه للأمانة مؤدٍ؟.

علينا أن نتحلى بمكارم الأخلاق ونحفظ ألسنتنا عن الإسقاطات ونحكّم ضمائرنا في التعامل مع الغير ما يُكره فعله لا نفعله بغيرنا.



error: المحتوي محمي