زينب (عليها السلام) امرأة قهرت الرِّجالَ والخيلَ والنَّار، تستحقّ أن يكون لها محطَّة خاصَّة بها، أسوةً بالعظماء من الرِّجال الذين يُذكرون في أحداث عاشوراء سنة 61هـ.
من النساء عظيمات ذكرهنّ التَّاريخ، عظيمات في كل زمان، أما إذا لبسنا نظَّارة الحياد، فقليل من النِّساء والرِّجال حفروا ذكراهم عميقةً في التَّاريخ، مثلما حفرت زينب بنت عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام)، امرأةٌ يفخر بها الماضي والحاضر والمستقبل، وفي ظلّ الحركات النسائية المعاصرة حضورها لا يُعطى ما يستحق.
إن قلتَ حديدية فهي تفوقت على الحديد، إن قلتَ بطلة فهي هزمت الرِّجالَ الأشدَّاء، إن قلتَ صبورة فقد أعيا الجبالَ صبرها؛ صوتها أقوى من السوط وعينها قاومت المخرز، لم تقاتل بالسيفِ والرمح، إنَّما قاتلت بقوة العزمِ والشكيمة، ولو استطاعت أن تقاتل بالسيفِ والظفر ما ادّخرت في ذلك وسعًا.
شخصيَّة السيِّدة “زينب” يجب أن يفرد لها دراسة من جميع جوانبها في أيَّام شهر المحرم، وغيره من الأيام، مثلها مثل الرِّجال الشجعان في ساحات القتال وأكثر، الرجال في المعركة يقاتلون ويموتون بعزَّة وكرامة، ويتوقف الألمُ عند لحظة الشهادة، لا يتعرضون للآلام النفسيَّة والجسديَّة بعد الاستشهاد، أما الآلام التي يتعرض لها النِّساء بعد انكفاء المعركة وغمد السيوف، نالت منها “زينب” القسطَ الأوفر، ولا يذكر التاريخ أحدًا نالَ مثلها.
حبَّذا لو أفرد الخطباءُ ليلةً من بين ثلاث عشرةَ ليلة دراسةً وتكريمًا لهذه الشخصية -زينب- كيف استفادت من قوتها وبأسِها وصبرها في تحقيق أهداف المشروع المشترك بينها وبين أخيها الإمام الحسين عليه السلام؟ لماذا أسوقُ هذا الكلام؟ نحن في عصرٍ محتاجون إلى إظهار شخصيَّات نسائيَّة حقة، على الوجه الأمثل، ليست مزيفة، ينظر في سيرتها الشابَّات والنساء، كلهنّ يأخذن ما رغبن فيه من هذه الشخصية؛ العفاف، الريادة، القيادة، الجرأة، البلاغة، وغير ذلك من الصفاتِ الصافية، ولا ضير إن أخذَ واستفاد من شخصيتها من هم من غير المسلمين.
هل حدث في التاريخ أنّ امرأةً بين طلوع الفجرِ وغياب الشمس من يومٍ واحد، قُتل قومها وأهلها وولدها وإخوتها، وبقيت شامخًة سامقة؟ تحولت في لحظات أو ساعات من امرأةٍ تحت نظر أخوين وكفالتهما إلى امرأةٍ كافلة لمن بقي ونجا من نيرانِ المعركة، تقطع الفيافي والقفار على ظهرِ بعير وتفعل ما فعلت؟ لا أظنّ..