السلوك يبدأ بفكرة

تأمل النعم والنعيم الذي يحوطك، فالجمال فيك وفي كل شيء وفي كل مكان؛ في البشر والشجر والبحر والحجر، تأمل -فقط- ليزداد الجمال جمالًا، ويصبح كل ما حولك جميلًا، تأمل إلى أن تصل: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ ٱللَّهِ لَا تحصوها}.

قد نعتاد التنعم في نعم الله، ونفقد شعور الامتنان تجاه هذه النعم إلى درجة ألا نلاحظها أحيانًا إلا في حال فقدها، وبعض منا قد يتمتع ماديًا في نعم الله إلا أنه شعوريًا لا يتمتع بها أبدًا، ويحمل مشاعر سلبية تجاهها، ماذا لو سلطنا الضوء هنا على نعمة عظيمة جدًا، وهي نعمة العمل وغيّرنا بعض المشاعر السلبية فيها بسؤال أنفسنا؟ماذا لو أحد منا عند ذهابه إلى عمله يوميًا يكون في حال تذمر وانزعاجٍ بسبب استحضار تام لمشاعر سلبية متنوعة من ضغط عمل وإرهاق أو شعور نفسي تجاه الزملاء أو المكان.

في الحقيقة عملك هو مصدر الرزق لك، وغيرك قد سعى ولكن لم ينل ما نلت، ولعل هذا العمل هو حلم أحدهم في الحياة، وقد يكون عملك ليس ما سعيت إليه ولا رغبتك ولا طموحك، لكن ماذا لو أن عملك الآن محطة عبور للوصول للهدف المنشود، وأنك لن تصل إليه حتى تتطور هنا من خلال تجربة أو درس أو مهارة فكرية أو شعورية أو جسدية؟ وماذا لو التفت لما تحتاج أن تتطور فيه لتسرع عملية الانتقال؟ ماذا لو استبدلت شعورك عند استيقاظك من نومك وأحسست أنك ذاهب للتمتع بنعم الله عليك؟ ماذا لو عند خروجك من المنزل استشعرت نعمة الأمن والأمان التي تغمرك وتحوطك في بلدك؟ ماذا لو استبدلت مشاعرك تجاه الطقس والشمس الحارة هذه الأيام باستشعار نعمة لا وجود للكوارث الطبيعية، لا زلزال، ولا فيضان، ولا حرائق؟ ماذا لو عند وصولك لعملك استشعرت أنك إنسان وبعملك هذا وبطاقتك هذه تكون فعاّلًا ونافعًا لنفسك وأهلك والمكان والبلد والناس والحياة؟ ماذا لو عند حصول حدث ما قد يشعرك بمشاعر سلبية هناك من غضب وحزن، إلا أن مشاعرك تجاه هذه النعمة يمنعك من تلويث هذا الشعور فتترفع وتتغاضى وتتجمل بالصبر وحسن الخلق؟

ماذا لو استبدلنا بشعورك بالتعب والإرهاق عند انتهاء عملك والخروج منه مشاعر رضا وحمد وامتنان وفخر بنفسك، وبما قمت بعمله وما قدمته هناك دون أن تنتظر أن يقدر جهدك أحد من العمل أو من خارجه؟ ماذا لو استبدلنا شعور الواجب والمسؤولية التي قد تكون حملًا ثقيلًا علينا
باستشعار نعمة الصحة الجسدية على فعل هذا العمل وأدائه، حتى بالرغم من عدم رغبتنا في فعله أحيانًا؟

لكن غيرنا قد لا تكون لديه نعمة القدرة الجسدية التي أنعمها الله علينا من عقل وعافية، وماذا لو استبدلنا بشعور عدم كفاية الراتب للمتطلبات، أو عدم توافق الجهد مع الاستحقاق المالي نعمة التمتع بالرزق الحلال وحب العمل والسعي للرزق الطيب، فالسلوك يبدأ من فكرة، ومن الممكن أن نغير ونبدل أفكارًا، ونكتسب مهارات جديدة عن طريق التدريب وتطوير الذات، لكن هذا الهدف حتى يتحقق يحتاج إلى رغبة داخلية، تنبع من ذات الشخص كما أنه لا بد له من اتخاذ قرار التغيير وسط مجموعة من العوامل المساعدة؛ كالتوقع الإيجابي والصبر والالتزام، والنتيجة هنا هي أن أفكار الإنسان هي التي تتحول إلى قيم، والقيم تتحول إلى معتقدات، ثم إلى مشاعر تتحول بعدها إلى سلوكيات تمارس في الحياة.



error: المحتوي محمي