يُزهر الورد في أوانه، وننتظر صيفًا حارّا رطبًا لأنه يحمل نِتاج النخلة الذهبي.
ويظهر الإنسان الحقيقي في اختبارات الحياة القاسية إما هروبًا من المواقف أو تجسيدًا لجميع أصناف البَسَالَة والنّخْوة.
وكلّما تجددت العهود بالصحبة احتاج الإنسان لاختبار قويّ يُحدد الجودة ويضع الأصدقاء في أماكنهم المناسبة مع الأخذ بالاعتبار الظروف الراهنة وفهم الأسباب الحقيقية للاعتذار.
ربما صادفك أحدهم فسمعته يقول: “أعرف صديقي منذ خمسين محنة وعشرين شدّة”، وسمعتَ آخر يتحدث عن تحوّل علاقته بصديقه إلى علاقة سامّة.
وقد يحتاج ذلك إلى تفسير مهم جدًا يصل بنا لفهم العلاقة بين الأصدقاء فهمًا حقيقيًا تطول من خلاله مدّة العلاقة أو تقصر، ويعتمد ذلك على الدّقّة في اختيار الصديق وفهم الغرض الحقيقي من الصداقة.
إنّ الصداقة المؤقتة غالبًا تُصاب بالخمول وينتهي زمنها الافتراضي لأن أساسها كان ضعيفًا واستمدت ذلك الضعف من عوامل عديدة منها: اختلاف البيئة، والمصلحة المطلقة، وتنافر الأهداف، والتفكير غير المُتكافئ.. إلخ.
ويمتلك البعض القدرة على التمحيص والتمييز بين الصديق المناسب له من غيره
فالصداقة عنده مثل الفاكهة يستطيع أن يستطعم مذاقها اللذيذ لأول وهلة أو يقذفها من فمه عند المضغة الأولى لسوء طعمها.
وتساهم الأم في اختيار الصديق المناسب لأطفالها أو لفتياتها المراهقات بوضع ملف تعريفي لهذا الصديق الذي دخل نطاق الدائرة الاجتماعية والأسريّة لأبنائها بدراسة تصرفاتهم وملاحظة سلوكهم، ولا تسمح الأم الثاقبة الرؤية -وخاصة في هذا الزمن الراهن- بقفل الأبواب بالمفاتيح عليهم. والجلوس في غرف النوم الخاصة عندما يتعلق الأمر بالشعور بعدم الراحة فهناك زوايا معتمة لا يمكن رؤيتها لدى بعض الشخصيات.
كما يتحتم على الآباء والأمهات معرفة سرّ تعلّق أولادهم بشخص ما ولماذا يُمثّل هذا الصديق في حياة أبنائهم عملة نادرة قد اندثر أشباهه الأربعون؟!
لابد أن تُبنى الصداقة على أُسس نقيّة مُبرّأة من أيّ دنسٍ أو عيب فكريّ، تخلو من القمعيّة المتسلطة وتجنح للاعتدال في المشاعر، من خلالها ينمو الناشئون وتتطور قدراتهم.
يقول أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب محددًا بعض الأصناف التي يجب الابتعاد عنها: “يا بني إياك ومصادقة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك وإياك ومصادقة البخيل فإنه يبعد عنك أحوج ما تكون إليه وإياك ومصادقة الفاجر فإنه يبيعك بالتافه وإياك ومصادقة الكذاب فإنه كالسراب يقرب عليك البعيد ويبعد عليك القريب”.
أخيرًا، همسة بأذن الأصدقاء: صديقي الحبيب كفّ عن استقصاء خطواتي ولا تكثر من عتابي فجميعنا لا تصفو مشاربه. لكنك عندما تفقد الرغبة في عتابي مطلقًا فاعلم أنك شيّعت حبيّ لمثواه الأخير. لا تنصبوا المشانق لأصدقائكم واحملوهم على سبعين محملًا فقد تُصاب الصداقة بالمرض لكنها لا تموت إلا بتحديدك موضع قبرها.