من سنابس.. الخطيبة زكية البيابي 50 عامًا في خدمة الحسين.. قرأت «الفخري» في الخامسة وصدحت بـ«القصيد» في السابعة

خمسون عامًا من الخدمة التي تتنفس حب الإمام الحسين (ع) أكسجينًا نقيًا في دروب حياتها، صدعت بعشقه منذ نعومة أظافرها، فقد سارت على خطى عائلتها المعروفة بكثرة المشايخ والخطباء والقارئات.

ولأن بيئتها جميعها كانت “حسينية الهوى” فقد تأثرت زكية سلمان سلمان البيابي بوالديها وجدتها، حتى حازت شرف خدمة أهل البيت “ع” ومن ثم سجلت اسمها في دفتر الخدمة الحسينية.

«القطيف اليوم» اقتربت من عالمها، وحطت على ساحلها؛ لتسترجع معها ذكريات البداية ورحلة التطور.

البداية
شاءت الإرادة الإلهية أن ترى عينا “البيابي” النور بمدينة السنابس، وسط عائلة متدينة تتخذ من الإمام الحسين “ع”، حياة ومنهاجًا لها؛ حيث كان للأب وللأم باع طويل في خدمة المنبر الحسيني، ما كان له الأثر الكبير في توجيهها للخطابة، فهي ترجع الفضل في ذلك إلى بيتها الذي نشأت فيه، ومارست فيه الخطابة منذ الصغر.

حب الخطابة
وتعود “البيابي” بالذاكرة لتحكي قصتها مع الإمام الحسين “ع”، والخطابة، قائلة: “مارست الخطابة من صغري هيامًا في حب أهل البيت (ع)، كأني وجدت نفسي مدعوة لسلوك تعمقت جذوره في منطقة اللاشعور، حتى أضحى ظاهرة لها امتداد، ففي الأسرة الكبيرة، ارتبطت بأمي القارئة، وجدتي خادمة الإمام الحسين (ع) أم سعيد “رحمها الله”، التي كانت لديها حسينية كبيرة، تقام فيها مراسم العزاء للرجال وللنساء”.

وتضيف: “وكان الدي شريكًا لها؛ إذ قلب منزلنا النابض بالعطاء لحسينية وكان يشنّف مسامعي بقراءة القرآن الكريم والأدعية الشريفة حيث تفتحت براعمي الصغيرة على صوته الشجي، مبينة بأنه كان لذلك أثر في مسيرتها الخطابية”.

الكتاتيب والقرآن
تعلمت زكية عبر الكتاتيب النظام التقليدي حينها، وتتلمذت على يد جدتها لأمها الملاية ومعلمة القرآن صفية علي آل يوسف، والمعروفة بـ”أم سعيد الخباز”، -رحمها الله- والتي كانت تصفها بأنها كالمسقي للماء لا تحتاج لمعلم، إذ يكفي أن تستمع للمعلمة وهي تعلم لوليدات (دارسات القرآن) لتقرأه حفظًا في اليوم التالي، معقبة: “تعلمت في فترة وجيزة القراءة والكتابة دون دراسة أكاديمية، وإن كنت أشعر في ذلك الوقت، أنني أحتاج الكثير وأتطلع للكثير، لما كانت تلحه عليً نفسي بما تختزنه من مشاهد وأحداث مررت بها، فكنت مولعة بالقراءة لكل ما تقع عليه عيناي، والكتابة للأحداث والذكريات وصياغة الأفكار”.

وكانت متفوقة في دراسة الوفاة والفخري ولا تحتاج إلى حضور دروس المعلمة كما هو متعارف عليه، بل استطاعت من خلال قراءته فقط التمكن منه، ما أثار إعجاب أمهات أقرانها اللاتي سألن والدتها عن سر تفوقها، معتقدين أنها تأخذ دروسًا خصوصية ليلًا، لتنفى والدتها ذلك.

وأوضحت أنها بدأت التمثيل بدور رقية طفلة الحسين بعمر أربع سنوات، أما بعمر خمس سنوات فقد بدأت في قراءة السيرة (الفخري) والوفاة في الحسينية، مشيرة إلى قراءتها القصيد المجالسي بعمر سبع سنوات، إضافة إلى أنها كانت تبدأ في قراءته ثم يكملونه عنها إلى أن سجعت به واقفة أمام المستمعة.

وأضافت “البيابي”: “كانت وقتها الملالي الكبار بنات حجي حسن وطيوب آل حسين وكبوسة وأم حسين مسيرية وعفيفة -يرحمهم الله- اللاتي يتجمعن في حسينية جدتي أم سعيد، ثم اتسعت الدائرة قليلا لأجد مدرسة أبناء عمي الشيوخ وأبناء أخي وخالاتي في الخطابة تتخذ زاوية من أعماق الشعور، وكأن الأمر صيره المحيط حولنا إلى ظاهرة مجتمعية”.

دعم مادي ومعنوي
غمرت عائلة “البيابي” نجلتها بالدعم المعنوي والمادي؛ حتى أن والدها -رحمه الله -أقام لها مأتما في منزلهم في السنابس في العشرة الحسينية الثانية صباحًا وطبخ العيش المحمّص على شرف الإمام الحسين (ع).

كما تتذكر بأن أول قراءة تقام ليلًا في السنابس في شهر رمضان أقيمت في بيت والدها، حيث كانت المآتم تقتصر على القراءة نهارًا، مبينة بأنها قرأت في البداية في مجلس صغير إلى أن بنى لها والدها حسينية، وأصبحت بعض الأمهات يستمعن لها مع بناتهن ويشجعنها، بينما أمدتها والدتها بالكتب الحسينية، معلقة: “أولعت بالقراءة الحسينية حتى وصل شغفي للنخاع”.

وصية والدها
بعد فترة تعبت جدتها ووالدتها وخالتها، فقامت هي بالقراءة في الحسينيات والفواتح بدلًا منهن، واستبدلن القراءة بالجلوس في ختمة القرآن للمتوفى، وفي ذلك الوقت أوصى والدها بأن تبقى الحسينية لها للقراءة في حياته وبعد مماته ومن ثم اتجهت لكتابة اللطميات والنواعي وتجهيز الأبحاث للقراءة الحسينية.

شعائر من المنزل
وصفت “البيابي” شعورها أثناء جائحة كورونا التي أجبرتها على التوقف عن القراءة، قائلة إنها كادت أن تجن لتوقفها عن القراءة ككثير من القارئات، ولكنها لم تقف مكتوفة الأيدي بل أنشأت حسابًا على الإنستغرام، وأقامت الشعائر الحسينية من المنزل.

مواقف عالقة في الذاكرة
وتروي لنا زكية موقفًا عندما كانت في الثامنة من عمرها؛ حيث قررت قراءة الرواية في وفاة الإمام الحسن (ع )، ولكن جدتها ووالدتها لم يسمحن لها خوفًا عليها لصغر سنها، فقامت بجلب تنك الدهن ووضعته عند الدريشة (الشباك) وهددتهن بأنها ستدق عليه وتزعجهن إذا لم يسمحن لها بالقراءة فرضخن لرغبتها مجبرين فقرأت وحازت إعجاب الحاضرات.

كما ذكرت أحد المواقف الحزينة التي تعرضت لها بعدما فوجئت بعدم خروج صوتها بدون سبب، فهي تمتنع عن شرب البارد طوال العام خوفًا على صوتها، معللة ذلك بتشخيص بعض الدكاترة بالارتجاع في الأحبال الصوتية بسبب الضغط في القراءة.

وتتصاعد المعاناة عندما يأتي عاشوراء في عام لتصعد المنبر يوم العاشر مرتين ولا تستطيع القراءة، نذرت حينها بأن تقيم المجالس حيث سكنها بالتركية، فاستجاب الله لها فأقامت القراءة والتي استمرت للآن وخلفت هذه الحادثة البحة التي زادت صوتها جمالًا.

التجديد والتغيير
وقررت”البيابي” منذ دخولها هذا المجال أن تجد سبيلًا دائمًا للتغيير والتجديد، معقبة: “بتوفيق من الله حالفني المزيد من النجاحات وركزت على الموضوع، وبعث الكلمة الحية للمستمع من خلال انتقاء المواضيع الاجتماعية والتربوية والأخلاقية والسيرة لأهل البيت عليهم السلام، في الوقت الذي كانت القراءة التقليدية هي السائدة آنذاك، واليوم خادمات الحسين كثر، وفقهن الله وهن مبدعات طموحات ومتطلعات للتجديد ولله الحمد”.

وفي ختام حديثها، أرجعت “البيابي” الفضل في نجاحها إلى والديها اللذين غرسا فيها عشق أهل البيت (ع) مُنذ صغرها، إضافة إلى وراثتها الموهبة من عائلتها، وعلى رأس كل ذلك التوفيق الإلهي الذي تصفه دائمًا بشرف لها تفتخر به.




error: المحتوي محمي