إصلاح الأنفس

قال تعالى: ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴾ هود: 118.

يبدو أن جزءًا يسيرًا من الخلافات الاجتماعية داخل الأسرة وخارجها تؤخذ إلى المحاكم وهذا لا يعمل كثيرًا في رأب الصدع والذي من دون شكّ يتنامى مع تأخّر الحل التوافقي الصادر من المختلفين أنفسهم لا المفروض عليهم. الخلافات ستقع مع كل شراكة وبين كل إخوة مع اختلاف الثقافة والرؤى والطموح، وبالخصوص متى ما نمت الحصص وتداخلت الجهود ولم تكتب الحقوق والواجبات. الإنسان بطبيعته –إلاّ من رحم ربي- مخزن للخلايا الشاردة التي تحتضن الطفرات المفعّلة للنزاعات والناتجة عن الأنا والهوى والشيطان. هل كل خلاف نتيجة تقصير؟

الاختلاف ألم بلا حدود ولا قيود، لذا يقع بكل التصانيف بين الكبار والصغار والأغنياء والفقراء والمديرين والعمّال. ومع تحييد الأثر، الاختلاف ضجيجه وضرره يكبر مع اتساع دوائره فالخلاف والاختلاف مثلًا بين الشريكين متى بقي بين الاثنين لا ثالث لهما قد يحل بطريق أسهل خلاف متى تناقلته الألسن العامّة بنيّة حسنة أو سيّئة وأصبح كل من علم أضاف بعض النكهات وأسهم في جعل الحلحلة أكثر قسوة وصلابة. أينما وجد الناس حلّ الاختلاف لأنّه سنّة كونية ومتى ما غابت الكرامة والاحترام في لغة الحوار تولّدت المشاكل والتي منها نستفيد الكثير من دروس الحياة. هل قامت دور التربية والمساجد والمنابر بمسؤوليتها في تثقيف وتحصين الشباب؟

ثمّة أمور لا يمكن تجاوزها عند التطرق إلى الخلاف والاختلاف ولعل ما يتصدر القائمة هذا القرن موضوع الخلع والطلاق الذي أمسى بعبعًا أمام الآباء والأمهات أكثر من الأبناء والبنات الذين أضافوه مع مناسبات أعياد الميلاد والنجاح وأحيوه بالفرح والبذخ والحفلات. في العقد الأخير ارتفعت نسبة الطلاق بين السعوديين إلى الضعف وتشير الإحصاءات إلى تسجيل سبع حالات طلاق مقابل عشر حالات زواج مع ارتفاعها إلى نسبة 60% في العام الأول للزواج منها حالتان إلى ثلاث يوميًا بالقطيف. الخلاف بين الزوجين متى تأجّج دون حكمة يتسع ليشمل صدامًا بين العائلتين وأكثر لتخرج عن مجال الإصلاح وتصبح القصة خارج السيطرة وعلى أطراف الألسن محبوكة بألوان مختارة من الرّواة. هل تدني مستوى المعيشة والرفاهية في بيت الزوجية سبب رئيس للطلاق؟

من جهة أخرى، بدون فلاشات تزداد المشكلات بين الورثة وبما يؤدي إلى حرمان مجموعة محتاجة من الإخوة والأخوات يتأخّر تسلم حصصها سنوات وعقود، وترجع أهم الأسباب إلى انعدام الثقة بين الإخوة والتنافس على استحواذ الأثمن وغياب الوصية المكتوبة الشاملة. ومع عدم توفّر إحصائيات عن نسبة الخلاف بين الورثة بسبب المماطلة في الحل والستر وعدم رفع القضية إلى المحاكم وقوة الأخ الكبير أو الوكيل، لا يمكن إغفال شيوع هذا النوع من الخلاف في عدد كبير من عوائل المجتمع. هذا النوع من الخلاف والذي لا يختلف اثنان على نسبة حصص الورثة ليس من العدل إسناد سبب المشكلة إلى المتوفى حال وجود الشر والتسلّط من بعض الورثة. ألا يمكن من السجل المدني حصر أسماء الورثة حتى لا يسقط أحدهم (بنت أو ولد) عمدًا أو سهوًا؟

يبدو لي أن الوضع الاجتماعي سيكون أزهى متى أخذت النقاط أدناه (أو بعضها) في الاعتبار:
– كل فرد عليه مسؤولية مجتمعية مما يلزم العناية الفائقة بمعالجة قضايا الطلاق وخلاف الورثة واحتضان الشباب وغيرها من القضايا المهمة.
– على كل طرف القيام بمهامه على أكمل وجه بما يعزز المودة والمحبة بين الزوجين والتآلف والتعاون بين الأخوة.
– مع لجان العلاقات الأسرية، على رجال الدين وكتبة عقود الزواج ووجهاء المجتمع المشاركة الجادّة في تحمّل المسؤولية التوعوية.
– على المختصّين طرح مسارات تثقيفية وتأهيلية للمقدمين على الزواج وبما يدعم إنشاء أُسر واعية وسعيدة.
– العمل على وضع ضوابط تسهم في عدالة وسرعة توزيع الإرث على الورثة ضمن فترة محددة.
– تزكية بعض الأكفاء من رجال المجتمع وشبابه كأعضاء في لجنة إصلاح ذات البين تحت مظلة جهة رسمية.



error: المحتوي محمي