كلٌّ في هذه الآونة عنده آلة تصوير، وكلنا في لحظات ضعف نتَصرف بحماقة وشطط في التفكير، فهل نرضى أن يتم تصويرنا في هذه اللحظات؛ لنكون محل ذمّ وسخرية؟ أكاد أجزم أننا نقول بصوتٍ عالٍ: كلَّا، لا نقبل!
اختفت -تقريبًا- كلمة “خصوصيَّة” أو شأن خاص، وامتحت من قاموسِ المعاملات الإنسانيَّة! ما إن ترى مشهدًا غريبًا أم غير غريب، اليد على الزناد وصوّر ما شئت. بعد ثوانٍ معدودات يرى الصورةَ من في أقصى الشرقِ والغرب، وإن شاء الله لا يكون الموقف والصورة محرجة جدًا!
لا يختلف أيٌّ منا على أنّ التصوير فرصة لتوثيق الأوقاتِ السعيدة في حياتنا، الأبناء، الأحفاد، السفر، الأحاديث! فقط لو احتفظنا لغيرنا بالخصوصيَّة والكرامة، صورة مزعجة واحدة لا ينساها النَّاس وينسون ألف كلمة. في سنوات صغرنا، لم تكن بعد اخترعت هذه التقنية الجميلة، آلة التصوير النقالة، فكم خسرنا من لحظاتٍ جميلة وتاريخ يُحكى دون أن يُرى؟!
عشرات المقاطع المصورة يتداولها النَّاس كلّ يوم، فيها مواقف محرجة ومؤلمة، وأجزم أن هذه المقاطع أُخِذَت نهبًا دون إذنٍ من أصحابها، أنتم ترون بعضًا من هذه المقاطع. في أول لحظة تشعرك بالضحك وفي اللحظة التالية تشعر بعميق الأسف لانتهاك خصوصيَّة أصحابها والسخرية منهم، وكأنهم مدعاة للضحكِ والهزل!
“لا تفضحني بخفيّ ما اطلعتَ عليه من سرّي”، عبارة جميلة، المقصود منها الله، لكن فيها تلميح إلى حفظ الأسرار والخصوصيات. ومن أجمل ما قيل في هذا الشأن:
وعيناك إن أبدت إليك معايبًا
فدعها وقل يا عين للناسِ أعينُ
{فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ}: من أدبِ المعاشرة والتعاليم الإسلاميَّة الاجتماعيَّة الجميلة حفظ الخصوصيَّة عند الدخول إلى حرم النَّاس وبيوتهم، وكيفية الاستئذان بالدخول إليها. قاعدة بسيطة جدًّا، عندما تعزمون على دخولِ بيت، لابد من إخبار أصحاب البيت بذلك والحصول على الإذن، فهل الصورة تشذ عن هذه القاعدة؟
لأجيال اليوم، آلة التصوير من أنفع الابتكارات. وثّقوا حياتكم، وحياة أبنائِكم. من يدري ماذا يصبحون في المستقبل؟ ثمَّة ملاحظة وجدتها صحيحةً في قراءة السير الذاتيَّة لكثيرٍ من العباقرة والمشهورين، أدباء، علماء، قادة دول، حياتهم مصورة منذ صغرهم، وكأنّ أهلهم كانوا يتوقعون أنهم سوف يصبحون مشهورين ومعروفين يومًا ما في المستقبل!