إذا كان الله معك فلماذا الخوف؟! وإذا كان الله ضدك فمن تَرجو؟
إن المحك الحقيقي والمقياس الأوحد هو مقياس القلوب السليمة، إنها هي مضمار السباق الفعلي الحقيقي الذي ينقي الحياة ويصلح النهاية ويبشر بالبشرى الخاتمة.
الدنيا دار زوال وفناء، والآخرة دار دوام وبقاء. والأولى فيها العناء والشقاء، لا الراحة والصفاء. والأخرى إن عملت لها كما أمرت؛ فزت بها وربحت. وتلك إن آثرتها؛ فقد خبت وخسرت.
إن النجاح الكامل في تلك الحياة لا يعتمد على شيء من زينة الدنيا استطاع المرء أن يجمعه، فلا يقاس بكم جمع من مال ولا بعدد الشهادات العلمية ولا الثقافية، ولا بعدد ما يمتلك من زوجات ودور وقصور وأولاد، ولا حتى بعدد ما قرأ المرء من كتب أو تبعه من أتباع.
جاءني ابني يقول بأنه قد ضبط عدّاد هاتفه النقال ونسى إيقافه حتى مضى عليه أسبوعان، ثمّ تفاجأ بعدد الساعات التي سجلت 336 ساعة قد مرّت من عمره لم يلتفت إليها! عندها سألتُ نفسي بحسرةٍ، وأنتَ أخي اسأل نفسك، وأنتِ كذلك أختي اسألي نفسكِ: كم من الساعات مرّت علينا لم نُلقِ لها بالًا؟ ذهبت هدرًا بلا استثمارها واستغلالها لصالحنا؟
شعرتُ بحجم تفريطي! يا تُرى ماذا كنتُ أفعل طوال هذه الثلاثمائة ساعة؟ ماذا دوّنت الملائكة في صحيفتي؟ ما هو العمل الذي صعد إلى الله عز وجل فقبله؟ وما هو العمل الذي ردّه ولم يقبله؟ ما هو وقعُ اسمي في السماء، وكتابي، وروحي؟ أفي عليين أم في سجّين؟ -أعاذني الله وإياكم-،
تساءلت كثيرًا من أنا عند الله؟ وكيف ينظرُ سبحانه إلى قلبي؟ وهل يرضيه ما يرى من أعمالي؟ قال (ص): “إن اللهَ لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم” رواه مسلم، والقلبُ حتمًا لو كان صالحًا سيصلح العمل تباعًا، وإن لم يُعمَر بحبّ الله وتقواه سيحلّ محلّ ذلك سوء القصد والشهوات والرذائل.
هذه ثلاثمائة ساعة فقط مضت خلال أسبوعين، فما هو عدد ما سُجّل علينا خلال أشهر بل سنوات! كم نظرةً أطلقناها، كم كلمةً قلناها، كم مسموعًا سمعناه؛ كم خطوةً خطوناها لنزِنها وفق الشرع بميزان محبّة الله لها أو بغضهِ إياها. لنقف الآن وقفةً صادقة مع أنفسنا إخوتي وأخواتي قبل أن يتوقف العداد الحقيقي لأعمارنا فإمّا أن تسرّنا النتائج أو تسوؤنا فالبشر الآن في سباق مع الزمن!
أسأل الله عز وجل أن يصلح قلوبنا وأعمالنا، ويطيل في أعمارنا على طاعةٍ وحسن عمل، ويرزقنا توبةً قبل الموت ويجعلنا من أهل الفردوس الأعلى.
ختامًا
لَا تَظُنُّ أَنَّ الجَنَّةَ رخيصة!
بَل الجَنَّةُ غَالِية وَطَرِيقَـهَا صَعْبٌ
وَشَاقٌ فَمَن أَرَادَهَا فَلْيُقَدم الثَّمَن
ارتق بمستوى حديثك ليس بمستوى صوتك؛ المطر الذي ينبت الأزهار ليس الرعد. بطريقةٍ ما ستدرك أن الطريق الذي اختاره الله لك، كان أفضل ألف مرة من الطريق الذي أردته لنفسك، وأن الباب الذي أُغلِق في وجهك ألف مرة، كان وراءه شرٌ محض، وأن اليد التي أفلتتك، لم تكن تناسبك منذ البداية، وأن البلاء الذي أنهكك لم يكن سوى رحمة مُهداة!