قال تعالى: ﴿يا أَيـُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلىٰ ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ﴾{الحجرات الآية: 6}.
ما إن يطفو على سطح المشهد خبر ما إلا واشرأبت الرقاب له، وأرهفت الآذان الصاغية السمع إليه؛ لتتلقفه بلوك الألسنة مع طهوه على نار هادئة وإضافة البهارات إليه.
ومما يؤسف له أن الأخبار الجيدة التي تحمل في طياتها تميزًا لطلاب أو معلمين أو تحقيق شهادات عليا أو تقديم مشروع خدمي أو اجتماعي أو ثقافي لا تلقى أي مبالاة أو استعراض أو اهتمام على مستوى الجلسات أو وسائل التواصل، بينما النقد اللاذع وحفلات الشتائم، وما نطلق عليه “الفضائحيات” تلقى انتشارًا واسعًا و تفاعلًا كبيرًا، و هذا -بلا شك- يعكس ثقافة أفراد المجتمع وتربيتهم ومستوى تفكيرهم؛ إذ إنك تستطيع اكتشاف الملامح الشخصية للفرد من خلال اهتماماته، وما يتحدث به على نحو واسع، ومتى ما ارتفع مستوى الرقي المجتمعي، فإنك سترى هذه الترّهات، والفقاعات الإعلامية، والسهام الإعلامية المجتمعية تتساقط دون أن تشكل أي خطر على مستوى الفرد أو المجتمع، فأحوال الناس السيئة -إن صدقت- لن تكون يومًا عائقًا في طريق تنميتك الفكرية والسلوكية والاجتماعية، كما أن جعل هذا العقل سلة مهملات يجمع فيه ما قال هذا و ما فعل ذاك سيضيق مساحة الاهتمامات الإيجابية، بخلاف ما ينعكس على الجانب الأخلاقي ومردودات تتبع عثرات الآخرين واسوداد القلب وتلوثه بهذا المرض.
وهنا تحملنا الآية الكريمة مسؤولية ما تستقبله الجوارح، وأهمها الأذن، عندما تتلقى أخبارًا عن أحوال الآخرين، ومجريات حياتهم، وعلاقاتهم، فالحذر الحذر من التعامل معها بجهل وطيش وتسرع؛ فتجعلها من المسلمات التي لا نقاش فيها، فيبيح لنفسه نقلها وتداولها دون إدراك بالآثار السلبية التي تحدثها على مستوى الثقة والتعاون بين أفراد المجتمع.
ومما ابتلي به المجتمع هو عملية “إعادة تدوير الأخبار في محادثات وسائل التواصل”؛ إذ يجعل الفرد من نفسه قناة لنقل الأخبار، وتداولها، وإعادة إرسالها دون السماح لنفسه بالاطلاع عليها وفرز ما يتيقن بكذبه أو ما علق به من شوائب التضخيم والتبخير، دون أن يدرك ما يعمل بعضهم جاهدا عليه من تشويه صورة الغير وإسقاطه من عيون الآخرين.
وتتعدد العوامل المؤدية لتلك المحاولات الماكرة ولكن أعداء النجاح كثر، كما أن الحسد وفقدان القناعة بالرزق الإلهي يحركان في المرء الغيرة والمشاعر السلبية؛ فيجد في مثل هذه الأخبار المسيئة ضالته، ولا يبدد تلك الفقاعات إلا حالة الوعي والنضج الفكري والإحاطة بما حولنا و ما يراد من تلك الهجمات المركزة على إسقاط الشخصيات وتشويه الصور الجميلة، فأي نبأ يحتمل عدة أوجه، وعلينا التحقق منه قبل تصديقه فضلًا عن بثه؛ لئلا يصيبنا الندم والتحسر، فما ينجم عن بث الأخبار الكاذبة آثار سيئة لا يمكن وقفها بعد ذلك بسهولة.
وهناك عوامل متعددة تحرك جانب الإثارة والتسابق لمعرفة الأخبار وما يجري على ساحة العلاقات الاجتماعية والشخصية، فالبعض يتملكه حب الظهور ونيل المكانة الاجتماعية والإسراع نحوه؛ ليكون المتحدث الرسمي لكل حادثة وواقعة والكاشف عن خفايا الأمور والتفاصيل المحيطة بها، وبدلًا من سعيه لبناء نفسه فكريًا و أخلاقيًا يتوجه إلى تعويض النقص وضعف الهمة في ميادين الإنجاز والإبداع عنده إلى ما يجذب النفوس اللاهية حوله لمتابعة ما يدور خلف الكواليس ومعرفته، و هناك من يجد في التنقل بين أسرار الآخرين وما يشاع عنهم متعة يضيع بها وقته، وأصحاب العقول السطحية يتلقفون كل ما ينشر خصوصًا في وسائل التواصل دون أن يعلم أن قسمًا منها مفبرك، وآخر لقي تضخيمًا، حتى يتم بثه بما يناسب الغرض الخبيث لأصحابه؛ فبث الشائعات الكاذبة سلاح رخيص يلجأ إليه مرضى النفوس لما يعرفونه من أثر انتشاره السريع كالدخان.
التحذير القرآني من التسرع في بث الأخبار دون التثبت من صحتها هو تأكيد على الآثار الاجتماعية لذلك، حيث تحدث حالات الكراهية وفقدان الثقة بالآخرين والانشغال بمثل هذه الترهات بما ينحرف عن بوصلة التقدم والرقي، فهلا كنا حصنًا مجتمعيًا تجاه معاول الهدم التي تحاول شق الصفوف وبث الفرقة.