كن إنسانًا قبل أن تكون طبيبًا أو مهندسًا!

بعد أشهر أو أسابيع قليلة ينتظم كثير من الطلَّاب والطالبات في الصفوف الجامعيَّة، في تخصصاتٍ متنوعة. سنوات قليلة فإذا هم ذوو شهاداتٍ دراسيَّة وأعضاء فاعلون في المجتمع. ثمة موضوع دراسة مهم، نادرًا ما نتعلمه في الصفوف الدراسيَّة، وهو أهم من الدراسة الأكاديميَّة. كيف تكون “إنسانًا”؟

من السهل أن نتعلم مهنة الطبّ، والهندسة وغير ذلك من المهن، لكن ما نفع كل هذه التخصصات خاليةً من الإنسانية؟ ترون طبيبًا يخون المريض، مهندسًا يخون دعائمَ الهندسة، محاميًا همّه كسب الدعوى الباطلة، أما “الإنسان” فلا يخون إنسانيَّته ولا يخون أمانته! ذلك الإنسان سواءً أكان عتَّالًا، طبيبًا، أستاذًا، محاميًا، حملَ الأمانة، ولم يغشّ في إنسانيَّته.

نسمّيه في لغتنا اليومية “آدميًا”، متديِّنًا، لطيفًا، ذا أخلاق، أمينًا، سمحًا، يمكن التعامل معه بسهولة في المنزل، في السوق، في العمل، وأينما كان. يحتفظ لكل من يتعامل معه بحقّ الاحترام والكرامة. هذا الإنسان وإنسانيَّته لا يظهر فجأةً في الحياة، إنما هو يولد، يرى أبوين، يرى من حوله، ينسخ ما يرى ويسلك سكَّة من رآهم! شاهدٌ واحد على هذا ما تقوله الدراسات من أن الأطفال الذين ينشأون في بيئةٍ اجتماعيَّة مسيئة لهم، هم يسيؤون لغيرهم عندما يكبرون “فاقد الشيء لا يعطيه”!

مع أنَّ لكل قاعدة شواذًا، لكن العوائل الطيِّبة يخرج نباتها طيِّبًا، وغير ذلك كثيرًا ما أنبتَ الشوكَ والحنظل. التربية الصالحة تتحقق من المربِّي الصالح والمربِّي الفاسد -غالبًا- ما يترتب على تربيته الفساد. في اللغة الإنجليزية مثل جميل يتضمن هذه الفلسفة “التفاحة لا تسقط بعيدًا عن الشجرة”، تعبيرًا عن انتقالِ خصائص الآباءِ والأمَّهات إلى أولادهم وبناتهم، وهذا ما أيّده العقل وأثبتتهُ التجارب.

خلاصة المرام: إنَّ مقياس النجاح الحقيقي يكمن في الامتحان الأصعب -امتحان الإنسانية- من يحصل فيه على علامة نجاح، ينجح فيما هو أسهل منه ودونه من التخصصات المهنيَّة، لأن ذلك الشخص “الإنسان” يعرف ما عليه أن يفعل. أنتم تعرفون جيِّدا نماذج إنسانيَّة -ملائكية- ونماذج شيطانيَّة. بإمكانكم أن تعرفوا بقلوبكم وعقولكم من هو إنسان، ومن هو شيطان!



error: المحتوي محمي