نظّم منتدى الخط الثقافي بالقطيف، محاضرة جمالية تحت عنوان “الفن والجمال في القرآن الكريم”، للباحث والفنان التشكيلي أحمد بن عبدالله العبدالنبي، بالتعاون مع الدكتور حسن محمد الشيخ؛ الأديب والإعلامي المعروف لإدارة المحاضرة، وذلك بحضور عدد كبير من المثقفين والمثقفات، والمهتمين بالفن والجمال وتدبر القرآن الكريم من القطيف والدمام والخبر والأحساء.
واستعرض “العبدالنبي”، في اللقاء الذي انعقد يوم الخميس 10 ذو القعدة 1443هـ، عدة محاور مهمة عن الفن والجمال في القرآن الكريم من خلال الدراسة والتحليل، مستعينًا ببرامج “عرض الصور المرفقة” مما أضفى للقاء تشويقًا وإثارة.
وأوضح الباحث كيفية استلهام المسلم الفن والجمال من القرآن الكريم من خلال الفهم للنص القرآني، مستشهدًا بالآيات التي تتضمن الجمال والزينة من القرآن الكريم، ومنها: {يَٰبَنِىٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍۢ وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلَا تُسْرِفُوٓاْ ۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ}.
وعن مجالات الاستلهام الفني والجمالي في الكتاب الشريف، قال “العبدالنبي”: “المسجد يختزن مجالات الفنون المادية والمعنوية، وفيه جوانب فنية جمالية متعددة منها جمال تصميم المسجد وما فيه من مظاهر مثل: المحراب والمنبر والسجاد والإضاءة والمنارة التي تميز المسجد وغيره؛ مع التأكيد على الإبداع في اختراع (المشكاة) من خلال التدبر في آية النور {ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِۦ كَمِشْكَوٰةٍۢ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ ٱلْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ ۖ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍۢ مُّبَٰرَكَةٍۢ زَيْتُونَةٍۢ لَّا شَرْقِيَّةٍۢ وَلَا غَرْبِيَّةٍۢ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىٓءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍۢ ۗ يَهْدِى ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن يَشَآءُ ۚ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْأَمْثَٰلَ لِلنَّاسِ ۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ}”.
وتطرق بعد ذلك إلى جانب الإشادة في القرآن بفنون الحضارات، مستعرضًا منهجية القرآن وكيف تعامل مع فنون الحضارات السابقة في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ. إِرَمَ ذَاتِ العماد. التي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي البلاد} من باب الجمال والإشادة بفنونهم مع العلم أنهم من العصاة الذين طغوا وأفسدوا في الأرض.
وأشار إلى محور التذوق الفني والجمالي في القرآن بالأسلوب النقدي، وكيفية التربية الجمالية عن طريق تدبر قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}، مضيفًا أن منهجية القرآن بذكر الإيجابيات والسلبيات فيما يتم تقييمه ونقده، وعدم الاقتصار فقط على السلبيات بأي حال من الأحوال مهما اختلفنا.
وحول تأصيل الجمال والمحبة في صياغة الآيات التي تعزز التذوق الجمالي، ونبذ الكراهية وتجذير المحبة، أكد “العبدالنبي” أن الله سبحانه وتعالى يؤصل المحبة في آيات كثيرة، مستشهدًا بقوله تعالي في سورة البقرة الآية 195: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، وأيضًا قوله تعالى في الآية 222 من نفس السورة: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}، بالإضافة إلى قوله تعالى في سورة آل عمران في الآية 76: {بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَىٰ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}.
وتابع: “وحتى من يستوجب الكراهية بعمله فإن القرآن الكريم لا يأتي بصيغة إن الله لا يحب، بدلاً من إن الله يكره، وهذه منهجية منها قوله تعالى في الآية 107 من سورة النساء: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا}، وغيرها من الآيات الكريمة”.
واختتم الباحث حديثه عن البعد الجمالي للآيات من خلال التعمق في منطوق ومفهوم الآيات، لاستلهام جمال كلام الله والاقتداء به منهجًا في التواصل، من خلال الاستشهاد بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً}، مبينًا أن لفظة: {قَوْلاً سَدِيداً} مشتقة من (السد) وهو الحاجز الذي يتطلب أن نتوخى الدقة في اختيار ألفاظنا، ونجعل كلامنا (قَوْلاً سَدِيداً) لأن السد يوضع لمنع الإفساد، كما في قوله تعالى: {قَالُواْ يَٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِى ٱلْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰٓ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا}.
وشهد اللقاء العديد من المداخلات، من الحضور ومنهم: محمد الخرس، ونسيمة السادة، وعلي معتوق الحرز، وحسين الدبيسي، ومصطفى الشاعر، وهدى البقشي.
وفي الختام، كرّم الشيخ محمد الخرس “أبوهاني” وشاكر عبدالله نصرالله، وفؤاد نصرالله راعي المنتدى، والمحاضر أحمد العبدالنبي، ومدير اللقاء الدكتور حسن الشيخ.