وجوه لا تنسى.. الحاجة فاطمة أحمد الشيخ «أديبة الجيل الجميل»

عندما وددت الكتابة عن تلك الرائدة والشخصية الفاضلة عادت بي الذكرى إلى أكثر من خمسة وعشرين عامًا تقريبًا، أجل رجعت بي إلى الأيام التي تقام فيها المسابقة الرمضانية عندما كنت يومئذ أرتاد “مكتبة الشيخ” بالقديح الواقعة بحي الوادي القديم، وكانت بإدارة الأستاذ حسين الشيخ الذي كان يعمل بائعًا فيها، بعد تخطي المسابقة يكافئ الفائزين والفائزات بجائزة ما، وقد حصلت على كتاب بعنوان (عندما تشرق الشمس).

وحين لمحته للمرة الأولى شدتني تلك المؤلفة القديحية ورحت أقرأ حتى سبرت في صفحاته بعدما طالعت الفهرس، فما لبثت أن أنجز بضع صفحات حتى صادفتني تلك القصص وبهرتني بسردها الرائع، هكذا عرفت رائدة الصحافة وكانت معرفتي بها على الورق.

في تلك الفترة لم تشهد المملكة حركة نسائية تعليمية قوية بالكاد يحسبن على الأصابع، وهذه الأديبة الماهرة أثبتت فعليًا أن هناك بالمجتمع دورًا وقيادة للمرأة في الحياة الدينية والاجتماعية والفنية والثقافية والسياسية، وقد برزت في الميادين بجانب الرجل بوقفة مشرفة معلنة جدارتها وكفاءتها ونشاطها في التعبير عن قضايا المرأة بالمعنى الخاص والآراء الأخرى بشكل عام.

• نظرة عابرة
هي الحاجة فاطمة بنت الحاج أحمد ابن المرحوم الفاضل الحاج محمد ابن المرحوم العلامة الفقية الحاج محمد صالح ابن العلامة الفقية الكبير الحاج أحمد آل طعان -حفظها الله-، ولدت بمدينة القطيف وتحديدًا في القديح المحروسة ليلة الجمعة 3 ذو القعدة 1380هـ، نشأت في كنف والدين كريمين من عائلة جل أفرادها من العلماء محاطة في بيئة دين تقدس مكانة العلم والزهد والعبادة والتقى، تزوجت عام 1399هـ ولها أربعة أولاد وبنت.

• مراحل التعليم والمؤهلات
كانت من أوائل من تعلم في المدارس النظامية فجمعت بين الدراسة الحوزوية والدراسة الحكومية الحديثة وأتمت جميع مراحلها التعليمية فيها حتى مرحلة البكالوريوس تخصص علم اجتماع من جامعة الملك عبد العزيز بجدة في نهاية عام 1424هـ انتسابًا، وممن تتلمذت على يده حوزويًا أخوها الشيخ عبد العظيم والشيخ محسن المعلم والشيخ محمد العبيدان والشيخ علي الفرج.

• إنجازات ونشاطات
عمدت على أن تواجه الحياة بمتطلبات عصرها فكان سلاحها الفكر والمداد ولم تترك جانبًا من الجوانب إلا وقد طرقته مكافحة في سبيل مساعدة الآخرين للحد من تجاوز الأزمات والعراقيل، أسست منتدى “براعم العقيدة والولاء”، قامت بتدريس تقوية في روضة جمعية مضر الخيرية مادة اللغة العربية، عضوة مؤسسة وفعالة ومشاركة في الاحتفالات النسائية في القديح والمزروع (حي الإمام الرضا عليه السلام)، أصدرت مجلة محلية طبع منها اثنا عشر عددًا.

بعدما حصلت على العديد من الدراسات والتدريبات والمؤهلات أصبحت من أهم المعتمدات في مجال المحاضرات النسائية والفعاليات الدينية، وقد حازت على الجائزة الأولى في مسابقة البحوث في مسجد المهنا بالقديح وكان بحثها عن “التليفزيون”، وبحث آخر بعنوان الإمام المهدي -عجل الله فرجه- وقد فازت أيضًا في المسابقة آنفة الذكر.

• كتب ومؤلفات
لقد كانت الأديبة الشيخ من هؤلاء العبقريات اللاتي يتركن في النفس أثرًا لامعًا تربويًا قل من يتركه من الكاتبات حينئذٍ، فبالإضافة إلى أنها كانت تصدر مجلة وترأس تحريرها فقد كان لها في مضمار الكتابة والسرد القصصي والصحفي بحوث ومقالات تنشر في جريدة اليوم ومجلة أسرتي.

طبع لها طباعة محلية كتيبات صغيرة الحجم عبارة عن مجموعة بحوث في سير الأئمة -عليهم السلام- منها: الإمام علي (ع) والإمام الحسن المجتبى (ع) والإمام موسى الكاظم (ع) والإمام الرضا (ع) والإمام علي الهادي (ع) وحياة الإمام الحسن العسكري (ع)، مثير الوجد والأنين في وفاة فاطمة بنت الحسين “بحث مستقل عن السيدة رقية (ع)” وبحثان عن البطالة والتلفاز. ولها كتابان كليهما في القصص والخواطر والمقالات الصحفية، فالأول اسمه (مرافئ الأمل والدموع) والآخر (عندما تشرق الشمس) طبع في بيروت سنة 1416هـ.

• قراءة في المجموعة الكتابية
تمتاز رائدتنا بنت الشيخ بأنها عاشت حركة النشاط الكتابي والنشر الصحفي مشاركة ممتازة في الفكر والأدب ناقدة وأديبة فذّة ولشدة تواضعها لا نرى لها بهرجة أو شهرة في الوقت الحالي إلا أنها كانت نشيطة وكتاباتها تشهد بذلك وهي من أوائل النسوة اللاتي كتبن بأسمائهن.

ثبتت للجيل أنها رائدة وأستاذة ومن جهابذة أهل النظر وذات القلم السهل الممتنع، ففي مقدمة كتابها عندما تشرق الشمس، نقتبس منها؛ (والآن دعوة لكم للإبحار في مجموعتي هذه بين قصة ومقال وخاطرة ووجدان مسطرة بأقلام مدادها دماء قلبي وماء ناظري، مشحونة بعاطفة الحب نحو مجتمعي والاحتراق من أجله كي يصح ويشفى من كل سقم يصيب أفراده، إلخ).

إن تلك الأوراق التي نسجتها رائدتنا القديرة هي بلا شك تعتبر مرحلة مهمة في حياتها الاجتماعية والأدبية، فكتبها تحتوي على مقالات تعالج بأسلوب تربوي بارع، ومعركتها مع الاندماج والتطوير والانصهار تعكس مدى اهتمامها في مشاهد قصصها (مأساة أسرة) تتصاعد الأحداث ملقية الضوء على الإدمان والمخدرات والنتيجة أن هناك بشرًا وحيوانات في وجوه بشر تمامًا كما لو أنك تشاهد فيلمًا سينمائيًا يدهشك ويشوقك للأحداث، وغيرها من الخواطر فتجد خاطرة (الأمل الضائع) اتجاه وجداني وعمق ديني بالأمل بالله سبحانه والثقه فيه.

أما في عالم الكتابات الصحفية فهناك خطاب من المحرر للكاتبة يمدح فكرها، ومن بعض ما قال: أسلوبك مشجع وخيالك جميل يدل على موهبة والصحف ترحب بك.

في محاولاتها الصحفية وصلت للاحتراف والتي لا تخلو من المخاطرة والمبارزة في هذا العالم الخفي المملوء بالرموز والطلاسم، هي تلوج في تلك المسامات المغلقة وتفكك معادلاتها الصعبة، فلا يتوقع القارئ الكريم أنني أستطيع أن أستخلص المغزى كله لأن مثل هذه الرائدة الكبيرة قد تجاوزت طبيعة ما كانت عليه تلك الفترة الزمنية.

وعن الانطباع الذي يمكننا أن نخرج به تذكر مثل هذه القامات الباسقات التي لا تبتعد كثيرًا عن هذا الجيل ومتطلعاته، فقد حاربت وجاهدت لكي لا يضيع ويتمزق ويهزم ويحبط ويسقط ويزيّف ويشوّه جيلنا السابق، فهناك عناوين كثيرة في طيات عالمها الأدبي والثقافي ولن أتكلم عنه لأنه ينبغي له بحث كبير جدًا ولا يسعني في هذه العجالة إلا أن آتي بشيء بسيط ومتواضع وأنها تستحق أكثر من ذلك لأنها تعتبر من النجوم المضيئة التي ملأت سماء ثقافتنا منذ كنا صغارًا حتى كبرنا، فشكرًا لكِ على ما قدمته من معطيات وإنجازات لا تنسى شعرنا بها في نفوسنا وعقولنا وتعايشنا معها واستفدنا منها ونشأنا عليها فألف شكر لله ثم لك أيتها القديرة.




error: المحتوي محمي