تجديد في الفكر أم الفقه؟

عندما يتم الحديث عن التجديد، يتبادر لأذهان البعض بأن الكلام يختص بالفقه والمسائل الدينية البحتة، وهو ما يعد جرأة على الدين من غير المختصين، أو بمعنى آخر إن من يتكلم على الفقه ينظر له ضد الدين ومخالف للشريعة لكن الأمر مختلف جدًا، فالتجديد ليس مختص بعلم بعينه إنما هي مطالبة ممن يؤمنون بالتجديد لتحديث الفكر إلى فكر معاصر يتناسب مع متطلبات العصر في جميع التخصصات، فالفكر هو المغير والمسير لعجلة التجديد التي تتجدد بشكل طبيعي في جميع العلوم نتيجة ما يحصل لها من تحديث.
يقول الدكتور عبدالكريم سروش في كتابه القبض والبسط في الشريعة: ” لا يمكن أن يوفق شخص الى هذا التجديد ولو بنسبة قليلة، دون أن يكون على معرفة عميقة بالمعارف البشرية الجديدة. فالفقه جزء صغير من المعارف الدينية، وفي التفسير يتقيد من المباني والأركان والمعتقدات الكلامية، والاصولية، وما لم يظهر تجدد في كلام الشخص أو اصوله فإن الفقه لن يتغير”.
العلوم والمعارف تتطور مع تطور العقل البشري أو الانساني ، فلولا التجديد لكان الناس في تخلف وسبات عميق إذ ان نظرتنا للعلوم في السابق نظرة بسيطة جدًا، فلو لم يكن هناك تجديد سوف تكون نظرتنا لانفسنا بنفس النظرة التي ننظر بها لتلك العلوم من حيث التخلف، اضف الى ذلك سوف نعاتب الماضين لماذا لم يطوروا العلم ليصل لنا بشكله الجديد وملامحه البراقة لكي ننعم به في عصرنا الحالي.
المجددون في العلوم لهم الفضل كبير في تلك الحقب الماضية الذين نقلوا تلك المعارف وجددوا فيها لكي تصلنا بهذه الطريقة وهي الان بايدينا كالامانة التي لابد من الحفاظ عليها ورعايتها وتجديدها لكي تصل للاجيال اللاحقة بنا، فالتجديد ضرورة وحاجة ماسة لاكمال مسيرة التقدم في العقل الانساني فليس من المعقول ان يكون ، على سبيل المثال نالفقه في الزمن الماضي كما هو الان مع تغير حياة الناس .
لكي يصبح التجديد، لابد من تهيئة عقول الناس أولاً لتقبل الحالة التجديدية عبر التثقيف الهادئ وفي نفس الوقت يكون التثقيف هادفا، إضافة الى بناء اساس سميك لتقبل التجديد، يكون ذلك برفع سقف طرح الموضوعات التي ترفع من الوعي عند الناس لتقبل التجديد، لانه بطبيعته صادم للمألوف، كما أن المجدد ينبغي له التحمل ما ينتج عن الاطروحات التجديدية حتى يتعود الناس عليها وتكون مألوفة لهم.
الأمر الآخر، على الناس المتهيئين عقلياً ونفسياً لتقبل التجديد ان يعلوا من مستوى التساؤلات ما هو يجلب إجابات تتناسب وتلك التساؤلات، لأن السؤال له دور كبير في البحث والتقصي عن الاجابات الشافية التي تكون بمستوى السؤال، كما أن السؤال ينبئ عن رقي السائل وتقدم فكره لذلك إذا كان السؤال متقدماً، الاجابات ستكون بنفس الرقي والتقدم وينطبع ذلك على المجتمع باكمله.
إذا لا يقوم اصلاح الفكري، إلا بمراجعة وتجديد، ولا ينبغي القلق من التجديد نتيجة الخوف على المألوف، فجميع العلوم والمعارف، هي نتاج بشري قد يصلح في وقته وبحسب ظروفه الخاصة، لكنه يختلف الأمر في عصور أخرى التي لا يناسبها تلك العلوم.


error: المحتوي محمي