توصيّات الإمام الصادق (عليه السلام) لبناء الإنسان

عند التأمل في كلمات أهل البيت (عليهم السلام) نجد فيها كمًا هائلًا من التوجيه لبناء ذلك الإنسان الواعي الذي يتحمل مسؤوليته في المجتمع، فيكون عنصرًا فاعلًا في مجتمعه، يقود مجتمعه نحو الخير والصلاح من خلال الأعمال الصالحة والبرامج المجتمعية الهادفة.

ومن خلال كلمات الإمام الصادق عليه السلام نجد مجموعة من الكلمات والتوصيات عند جمعها مع بعض فإنها تشكل خارطة لبناء شخصية الإنسان المؤمن الواعي المتميز، الذي عبر عنه الإمام الصادق بقوله: “ليس من شيعتنا من يكون في مصر يكون فيه آلاف ويكون في المصر أورع منه” (1).

لكي تكون شخصية مميّزة أدعوك لتطبيق الوصايا التالية:

الاقتداء قولًا وعملًا
لكي تكون منتميًا لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) عليك أن تلتزم بمنهجهم قولًا وعملًا، وأن تتطابق أقوالك مع أفعالك، كما عبر عن ذلك الإمام الصادق عليه السلام: ليس من شيعتنا من قال بلسانه وخالفنا في أعمالنا وآثارنا ولكن شيعتنا من وافقنا بلسانه وقلبه، واتبع آثارنا وعمل بأعمالنا، أولئك شيعتنا (2).

الاتباع ينبغي أن يكون اتباعًا واعيًا باللسان والقلب، والعمل بتعاليم أهل البيت (عليهم السلام).

التقييم الذاتي
قال الإمام الصادق (عليه السلام): “يا ابن جندب حق على كل مسلم يعرفنا أن يعرض عمله في كل يوم وليلة على نفسه فيكون محاسب نفسه، فإن رأى حسنة استزاد منها. وإن رأى سيئة استغفر منها لئلا يخزى يوم القيامة (3).

من فوائد التقييم الذاتي أنك تتعرف على نقاط القوة والضعف فهي من أهم الأشياء التي تساعدك على النجاح، فحين تعرف ما هي نقاط القوة الخاصة بك، ومن ثم استغلالها في تنفيذ ما هو مطلوب منك، فإنك ستنجز عملك بكفاءة عالية. وفي الوقت ذاته سيكون بإمكانك من خلال التقييم الذاتي معرفة نقاط الضعف، وبالتالي العمل على علاجها، لتحسين عملك وإنتاجك.

الالتزام الديني (الصلاة مثالًا)
قال الإمام الصادق عليه السلام: “إن شفاعتنا لا تنال مستخفًا بالصلاة” (4).

من ينتمي لمدرسة أهل البيت تجده غير مستخف بصلاته بأي شكل من الأشكال سواء: الاستخفاف الزماني أو المكاني، أو العملي أو الفكري. وهنا نؤكد على ضرورة التفريق بين الصلاة الواعية المدققة العميقة، وبين الصلاة الشكلية، فمن يسعى لإنقاذ نفسه من الانخراط في ارتكاب الآثام، عليه أن يحمي نفسه بالصلاة التي تركّز على الوعي والدقة، وعليه أن يُبعد نفسه عن تحويل الصلاة إلى ألفاظ يقولها لسانه بشكل نمطي، ولا تترك أثرها في نفسه وروحه وقلبه، كما يقول الإمام علي (عليه السلام): ركعتان من عالم خير من سبعين ركعة من جاهل، لأن العالم تأتيه الفتنة فيخرج منها بعلمه، وتأتي الجاهل فينسفه نسفًا (5).

عالم أو متعلم
لقد أكد الإمام الصادق (عليه السلام) على ضرورة البناء العلمي، ولهذا ورد عنه (عليه السلام): لست أحب أن أرى الشاب منكم إلا غاديًا في حالين: إما عالمًا أو متعلمًا، فإن لم يفعل فرط، فإن فرط ضيع، وإن ضيع أثم، وإن أثم سكن النار، والذي بعث محمدًا (صلى الله عليه وآله) بالحق (6).

إضافة إلى ذلك ينبغي أن يكون طلب العلم بطرق إبداعية والاستفادة من كافة التقنيات، كالتعليم عن بعد وغيرها.

وهنا أؤكد على:
ضرورة التعليم الذاتي: القراءة اليومية، المتابعة اليومية للقضايا الثقافية.

ضرورة تشكيل لجان تهتم بتنمية مواهب الطلاب والمبدعين.
عمل برامج ومسابقات علمية مستمرة سواء على صعيد المدارس أو المجتمع.

التواصل الاجتماعي
لأن التواصل بين الأشخاص يساهم في تماسك المجتمع وتطوره ونموه، لذا كان الإمام الصادق (عليه السلام) يعمّق ويجذّر منهجية التواصل الاجتماعي، ويضع لها التوجيهات المناسبة التي تزيد في التلاحم والتفاهم، فمنها ما قاله (عليه السلام) لخيثمة: (أبلغ موالينا السلام وأوصهم بتقوى الله والعمل الصالح وأن يعود صحيحهم مريضهم وليعد غنيهم على فقيرهم، وأن يشهد جنازة ميّتهم، وأن يتلاقوا في بيوتهم وأن يتفاوضوا علم الدين فإنّ ذلك حياة لأمرنا رحم الله عبدًا أحيا أمرنا) (7).

سلوكك المؤثر
قال الإمام الصادق عليه السلام: “كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم، ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير، فإن ذلك داعية” (8).

إنَّ الأخلاق الفاضلة هي بنفسها دعوة للدين، فمن عامل الناس بالتواضع والإخلاص والبشاشة والاحترام وقضاء حوائج المحتاجين منهم، فإنَّ نفس هذا الخلق دعوة للدين، وهو المُعَبَّر عنه بـ«الموعظة الحسنة» و«الموعظة الصامتة».

لذلك يمكنك أن تؤثر على الآخرين وأن تدخل قلوبهم من خلال سلوكك الناطق بالصفات الكريمة والأخلاق الحميدة.

الهوامش:
(1) بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 65 – الصفحة 164
(2) بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 65 – الصفحة 164
(3) تحف العقول – ابن شعبة الحراني – الصفحة 301
(4) من لا يحضره الفقيه – الشيخ الصدوق – ج 1 – الصفحة 206
(5) العلم والحكمة في الكتاب والسنة – محمد الريشهري – الصفحة 359
(6) العلم والحكمة في الكتاب والسنة – محمد الريشهري – الصفحة 210
(7) وسائل الشيعة: 8 / 400.
(8) الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص: 78.



error: المحتوي محمي