صفعة مدوية من بطل الإسلام حمزة بن عبد المطلب (ع)

هناك من الشخصيات التي تعد حياتهم وسيرتهم منعطفًا مهمًا في التاريخ الإنساني، لما وضعوه من بصمات واضحة في سجل المواقف النبيلة الرائعة التي تمثل واجهة حضارية مشرقة، ومن أولئك الأفذاذ مولانا حمزة بن عبد المطلب (ع) والذي امتاز بصفات الفكر النير والشهامة والشجاعة والكرم؛ مما جعله في زمانه في قمة هرم العظمة ورفعة الشأن وأكسبه الهيبة والمكانة في قلوب الناس، و أما بعد رحيله من هذه الدنيا فهو شريف الذكر على الألسن ومحط اهتمام العقول الباحثة عن القدوة الحسنة التي تتمثل خطاها وما كانت عليه من سؤدد في محطات حياتهم، ولنتوقف متأملين إحدى المواقف التي سجلها التاريخ لبطل الإسلام حمزة (ع)، والذي له الحظ الأوفر من اسمه المشير للأسد فكان نعم المقدام الذي يهابه الأبطال ولا يأبه لواحد منهم.

والأحداث والمواقف الصادرة من فرد أو مجموعة تأخذ بعدها- بعيدًا عن الإجحاف أو المجاملات المقيتة- عندما ننظر بعين الإنصاف لما أحدثته من نتائج ومدى تأثيرها في واقع المشهد بعدها، والواقعة التي حدثت بين أسد الإسلام حمزة ورأس الشرك في قريش أبي جهل قد أخذت بعدها ومفاعيلها، من خلال تغير المشهد في العلاقة العدائية مع رسول الله (ص)، حيث عاشت قريش تحت وقع تلك العقلية المتحجرة لزعمائها عندما قابلوا الدعوة المحمدية بقوة وعدائية مفرطة تجاوزت كل الخطوط الحمراء المبنية على بقية القيم القائمة في زمن الجاهلية، وفي مواجهة الهجمات العدائية من زعماء قريش والتي فاقت التصور بما مارسوه من بطش وتنكيل جسدي ونفسي، كان موقف أسد الإسلام صفعة مدوية في وجه الإجرام والظلم وأوقف تلك الممارسات العدوانية تجاه رسول الله (ص)، فقد اتخذت قريش قرارًا -نتيجة لموقف الحمزة- بكف أيديهم الظالمة من المس أو التعرض لرسول الله (ص)، وهذا يدل على المنعة والاعتزاز لبيضة الإسلام الذي تكون بفعل موقف حمزة القوي، فآثرت قريش أن توقف غيها وعدوانها بعد أن رأت موقفًا غير مسبوق، إذ كان ذلك الموقف في منتدى قريش في بيت الله الحرام و أمام كل الزعماء وبمحضرهم، فكان ذلك تحديًا من حمزة واستعدادًا لمواجهتهم بمفرده مع كثرتهم وأوحدية هذه المواجهة غير المتوقعة، فكانت هذه البطولة والاستبسال من حمزة منعطفًا مهمًا في تاريخ الإسلام في مرحلة العهد المكي، ورسول الله (ص) لم يكن هناك أشجع و أجرأ منه في رد العدوان والظلم، ولكنه (ص) مأمور في هذه المرحلة بعدم المواجهة مع أعداء الإسلام بل عليه التحلي بالصبر وضبط النفس أمام محاولات الأعداء لجره.

زعماء قريش منذ بداية الدعوة المحمدية اتخذوا موقف العناد ومقابلة الحجة والبرهان بالصدود بل والعدوانية المفرطة، قد انغمسوا في شهواتهم وأهوائهم، ولم يفسحوا المجال أمام عقولهم المتحجرة لتتحرر من التقليد الأعمى للآباء ولا الاستماع لما يدعو له الرسول الأكرم من دعوة التوحيد ومكارم الأخلاق، وقد عجزوا عن المحاورة والمواجهة الفكرية ومقابلة الدليل بالدليل، فلجأوا إلى صوت الهوى وهذا يدل على عجزهم وضحالة تفكيرهم، وقد انتفخت أوداجهم من الغيظ، ومشاعر الحقد والكراهية قد ملأت قلوبهم السوداء، فلم يروا من مواجهة علنية ومكشوفة ضد نبي الإسلام وأتباعه باضطهادهم والعدوان عليهم بكافة الوسائل مهما كلف الأمر.

لقد بلغ السيل الزبى في قلوب زعماء قريش من نجاح الدعوة المحمدية وانتشارها السريع؛ مما أخرجهم من بقايا العقل التي يمتلكونها فجابهوا رسول الله (ص) بكل وسائل العنف وكافة أشكاله، وهذا رأس الشرك أبو جهل يرى رسول الله (ص) فما كان منه إلا أن كال كل كلمات الشتم البذيئة اللائقة به لخاتم الأنبياء والمرسلين، فقابله (ص) بكظم الغيظ وصم الأذن عن إساءته ومر بلغوه مرور المرام، واعتقد أبو جهل أنه بحماقته هذه سجل انتصارًا أخذ يتفاخر به في وسط جلسائه، ولكن حمزة خيب آماله وقطع أنفاس تهوره ودناءته لما سمع من مولاة ابن جدعان ما جرى من إساءة لرسول الله (ص)، فأقبل غاضبًا لله عز وجل عاقدًا العزم على إخماد عدوانية قريش الآخذة في التضخم والانتفاخ، وكان من عادته إذا أقبل من رحلة أن يبدأ بالطواف حول الكعبة، وكان حمزة يخفي إيمانه بالدعوة المحمدية ولكنه لم يتحمل ما جرى لرسول الله من إساءة، فأقبل من رحلة الصيد ولم يطف ببيت الله الحرام بل أقبل لمكان اجتماع زعماء قريش فهوى بقوسه على رأس أبي جهل فشجه، وجلجل صوته في المكان معلنًا أنه على دين الإسلام ومتحديًا ذلك الجمع بمنعهم من تكرار الإساءة لرسول الله، بل ووقع الانتصار الإلهي حينما منع أبو جهل جلساءه من الانتصار له عندما رأوا الدم يخضب لحيته، متعلًلا بأنه هو من بدأ بالإساءة لرسول الله (ص) وسبه، وهكذا ترتكز راية العزة والانتصار لدين الإسلام على يد الأسد حمزة بن عبد المطلب (ع).



error: المحتوي محمي