تستقر تلك الصورة التي أحبها في مخيلتي، وأراها فائقة الجمال رغم ما أخذ منها الزمن!
أُمعن النظر في تلك الصورة التي حملت بداخلها دفئًا وحنانًا وجمالًا روحيًا لا يتكرر مع الزمن.
صورة تستنطق عاطفة الأمومة لمن يطرق بابها، مرحبةً بأعذب الكلمات: “هلا يا بعد أمي، وريحة الأحباب”.
لكِ في تراتيل العمر حبٌ وكرم
ولكِ في كفوف الورد تقبيلُ الجبين
جئتكِ، خذيني بأحضانك الدافئة ولملمي ما بقي مني، اعزفي لي لحنًا جميلًا مليئًا بدعواتكِ الطيبة، ها هي روحي عطشى لسماعها
قبليني وداعبي يدَيَّ بلمساتكِ اللطيفة ليخرج ما بداخلي من حزن وهم، أبعدتنا الظروف عن بعضنا، لكن دعواتكِ لم تفارقني للحظة بل هي تحوطني كلما اشتاق قلبي لرؤياك يا أم جاسم.
دعواتكِ الصادقة أخذت بمجامع القلب ابتسامتكِ رقيقةٌ حانية، ونظراتكِ ملؤها الود، وعناقكِ لا يشبهه عناق آخر.
حديثكِ الهادئ محملٌ بالإيجابية التي تغمرنا كلما اقتربنا منكِ، تأخذنا حكاياكِ والضحكات إلى حيث تلك الطفولة الجميلة وأيامها التي بقيت ذكرى عطرة.
ويسرقنا الوقت لجمال ذاك الحديث؛ حديث الروح الذي لا مثيل له معكِ. حتى إذا ما قلنا لكِ: “مع السلامة مرة خالي” قلتِ لنا بلهفة الاشتياق: “ليش مستعجلين؟! خليكم وياي ما شبعت منكم!”.
كنا نقتسم الزيارة بينكِ وبين العمة أم علي -رحمها الله رحمة الأبرار- وما أسرع لحاقكِ بها! دومًا في نهاية الزيارة تقولين لنا: “خلوا زيارة أم علي يوم ثانٍ هذي الزيارة اليوم خاصة لي”. ما أجملها من كلمة حين نسمعها؛ فنعرف مدى هذا الحب والود العميق الذي تُكنينه لنا.
يا شمعةً أضاءت ليالينا
وغدت من بعدها باهتةً مظلمة
صوتكِ ودعواتكِ ما برحا من أسماعنا..
لو تركت الأيام لنا بعض السويعات لنحظى بها من جديد! لتعود اللقاءات بيننا وبينكِ يا أم جاسم، لنكون سعداء بذاك اللقاء، لتُتحفينا بكلامكِ العذب فيكون هو بهجة وسرور يوم عيدنا!
أخبركِ يا غاليةً على القلوب أنّ عيدنا مختلفٌ هذا العام عن بقية الأعياد؛ لرحيلكِ عنا والكلمات فيه حزينة ممتزجة بالعزاء والحسرة لفراقكِ. لقد جمعتِ كل أحبتكِ في مكانٍ واحد بعد طول غياب، بين قبور الأهل والأصدقاء والأحباب. لقاء الدمعة والحزن،
كم هو غريبٌ هذا اللقاء. تسابقت فيه الأحباب مهرولة محزونة مذهولة لتشارك في تشييعكِ لمثواكِ الأخير، جعله الله مثوى جنان الخلد وفي مقعد صدق عند مليكٍ مقتدر، وألهم الله ذويكِ وأحبتكِ الصبر والسلوان، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
وإن قلّ كلامي عنكِ أو قصّرت حروفي في وصف صورتكِ في هذا المقال، إلا أنكِ أكبر من كل حرفٍ فيه؛ أنتِ الكلمة الطيبة التي شُبِّهت بالشجرة الطيبة أصلها ثابتٌ وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
تملّكت مشاعِرنا وقلوبنا وجعلتنا في دائرة التواصل الجميل بين الأحبة، طابت روحكِ وطاب ثراكِ الذي احتضن جسدكِ، وكم هي الروح مشتاقة لكم أيها الراحلون عنا.
وتبقى ذكرياتكم وكلماتكم وصوركم بيننا وإن طال غيابكم، فالروح الطيبة لا تُنسى أبدًا.
سلامٌ إلى روحكِ الطاهرة المطمئنة وإلى روح الخال العزيز أبو جاسم، نهدي قراءة سورة الفاتحة.
سعدى الصيرفي (أم جاسم).. الوفاة 1 شوال 1443هـ.