ورد عن الإمام الحسين (ع): يابن آدم إنما أنت أيام، كلما مضى يوم ذهب بعضك (إرشاد القلوب ج 1 ص 40).
أنى للمرء أن يفيق من سكرة الشهوات والغفلة وهو يتعاطى بلا اهتمام مع تناقص مدة بقائه في الدنيا يومًا بعد يوم، إذ لا أثر على إعادته لأوراق حساباته وهو يقلب أوراق الأيام التي تتساقط يومًا بعد يوم، فالعاقل يزداد حرصه على تنظيم وقته ومراعاة الأولويات والاهتمامات بما يضع بصمة في سجل أعماله، والإمام الحسين (ع) يضع هذه الصورة الحسية لأهمية العمر، وكأنه أمر كمي يتناقص مع التقادم الزمني لعمره حتى يأتي يوم النفاد وهو يوم الرحيل.
تبان حقيقة شخصية الإنسان ووزنه الفكري ومدى إنجازيته في الحياة يظهر من خلال معرفة مصادر اهتمامه وتطلعاته، وبالتأكيد فإن الأولويات وسلم الاهتمامات يختلف من شخص لآخر وفق نظرته للحياة، فهناك من يرى الحياة بعين احتياجاته الضرورية فقصارى جهده تتعلق بمستلزماته من أكل وشرب وسكن، وهناك من يغوص في بحار الدنيا فيتعلق بها طمعًا في الحصول على زينتها مهملًا الجانب الإعدادي لنفسه من الناحية المعرفية والأخلاقية والاجتماعية، فعداد الأيام عنده تحصيل أكثر للأموال وترقٍ في المناصب والوجاهات من أجل صنع برجه العاجي، وأما من فهم حقيقة الدنيا وأنها قطار عبور للآخرة اغتنم فيها كل دقيقة ليحولها لفرصة يحقق من خلالها فعل الخيرات وازدياد رصيده الأخروي.
وتأخذ مسألة اغتنام الوقت وعدم تضييعه فيما لا فائدة منه أعلى سلم الأولويات، وذلك أن هدرها يعني تضييع الفرص لشق طريقه في ميدان التكامل وبناء القدرات، وتستطيع أن تتعرف على شخصية الفرد ومحددات فكره من خلال اهتمامه بتنظيم وقته وفق جدول الواجبات الملقاة على عاتقه وتنظيم علاقاته الروحية مع ربه والاجتماعية مع الناس، وأما من يعيش الفوضوية في حياته فلا يجعل له خطة يسير عليها، وإنما يهب نفسه لكل شيء من حوله يتصرف به كما يشاء كريشة تتفاذفها نسمات الهواء، فلا يفيق من غشوة الفراغ إلا وقد رحل من الدنيا دون أن يخلف شيئًا من الذكر الجميل والسيرة الحسنة والبصمة المميزة في كلماته ومواقفه وصنائع المعروف.
ومما يؤسف له أن أضحى اغتنام الأوقات أمرًا لا يلقى بالًا واهتمامًا عند البعض، فيقضي من وقته الشيء الكثير فيما لا فائدة منه، وذلك أنه فقد بوصلة التفكير الإنجازي ولا يضع له أهدافًا يسعى لتحقيقها، ومن يعيش مثل هذا الفراغ في أوقاته ولا يستشعر بمرور الوقت ومدى الهدر الذي ارتكبه كجناية في حق نفسه لن ينفعه الندم في وقت قد طويت صفحات عمره.
نحتاج إلى إعادة حساباتنا ومراجعة طريقة تفكيرنا فنعيد صياغة حياتنا من جديد وفق مبدأ السعي التكاملي، والذي يعني اكتشاف ما نمتلكه من قدرات ونعمل على تنميتها لتكون حاضرة في ميدان العمل الحثيث، كما أن نظرته للأمور والأولويات وأهمها اغتنام الوقت والمحافظة عليه، إذ نحن اليوم أمام ملهيات كثيرة تسلب منا الوقت وخاصة الاسترسال في التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا لا يعني عدم وجود فوائد كثيرة فيها وإنما وجه الخطأ هو الانشغال بها معظم الوقت، غافلين عن الواجبات الملقاة على عاتقنا وأهمها تحقيق ذواتنا وإثبات الوجود الإنجازي لها.
ومن العوامل المؤدية إلى تضييع الوقت هو حالة التكاسل والخمول التي تجعلنا نقضي الأوقات الكثيرة في النوم ووسائل اللهو، وهناك فرق بين أخذ قسط من الراحة بعد عمل دؤوب قد أنهك القوى واستنزف القدرة النفسية والفكرية، فنحتاج إلى وقت نستقطعه لنريح أنفسنا استعدادًا للجولات القادمة من العمل، وبين من هو تائه في هذه الحياة ولا يدري أن عداد العمر يمضي دون أن يحقق شيئًا يعلي شأنه.
ومن عوامل تضييع الوقت الحياة العبثية التي يفقد من خلالها المرء الرؤية الواضحة لدوره الإنجازي والإعماري، إذ الحياة ميدان لابد فيه من وضع خطة وأهداف للمسير، وكلما تقدم خطوة تطلع إلى التقدم أكثر متحركًا بدافع من طموحه، والطموح لتحقيق مستويات أعلى لا يتحقق بالأماني الخداعة وأحلام اليقظة، بل هو تطبيق عملي لمجموعة الأفكار التي رتبها في ذهنه مع حسن الأداء والتنظيم بينها.