بينما كنت أتخطى الأجهزة الحديدية متجاهلًا أصحاب العضلات المفتولة وصراخاتهم العالية. ومع خليط من المشاعر ما بين الغبطة والشعور بالحسرة. الحسرة على الوقت الذي لم نعد نملكه وإنما أصبحنا نستهلكه (فقط). حيث صار تحت ملكية أبنائنا ومن يقعوا تحت مسؤوليتنا. وما أن استقريت على أحد الأجهزة، فإذا بي أشاهد رجلًا أمامي له صدر كما مكبر صوت من ماركة سوني. وذراعان تبرز منهما أسلاك كهربائية إلا أنها معبأة بالدم. وما أن حاول ذلك الرجل رفع القطعة الحديدة حتى راح يطلق صرخات، وكأنه سوف يخرج من أحشائه كائن فضائي ويلتهم كل من في النادي.
دقائق مضت وأنا أحرك جسدي، راجيًا من تلك القطع الحديدية أن تمنحني سنوات إضافية. تطيل أمد الاعتماد على نفسي أكثر. ولوهلة أقفلت عيناي وتحول المشهد لسواد، وما أن أخذت نفسًا وعدت بالرؤية من جديد. إلا وبذلك المصارع يتقدم نحوي، والذي لو عرف عنه (بوتين) لضمه لقائمة حراسه الشخصيين. وراح يبتسم ابتسامة عريضة كشفت عن أسنانه والتي أجبرتني على أن أبادله الابتسامة. حيث كانت علامته الفارقة منذ سنين. وآخر لقاء بيننا كان قبل عشرين سنة. وعلى الفور وبشكل لا إرادي روحنا نحيي بعضنا البعض ونتبادل المجاملات المعهودة. وحين سألته عن أكبر أبنائه قال مبتسمًا: لم أرزق بعد بالأولاد. ثم هربت عشرات الكيلومترات بسؤال محاولًا تجنب الإحراج. إلا أنه أدرك الحيلة وراح يتبسم من جديد قائلًا: اطمئن لقد كان الأمر بإرادتي. فلقد طلقت زوجتي بعد سنة واحدة من الزواج. لقد كانت أسوأ سنة في حياتي فمذ ساعة ما بقينا وحيدين في تلك الشقة اللعينة، تسربت عفاريت الأرض والسماء لشقتنا وسكنت أدراج المطبخ وتحت السرير في غرفة النوم وعلى الكنب في الصالة، وعلى السقف في الممر. ولم يبق بخور في الخليج ولا تعويذة إلا وقد قمت بتجربتها. إلا أني اكتشفت أنني كنت المشكلة الرئيسية. وكما ترا نذرت نفسي لأن أتفرغ لنفسي ما بين ممارسة الرياضة والسفر حول العالم. وليلة المنتصف من شهر رمضان سوف أحتفل بمرور خمس عشرة سنة على الطلاق. وضحك قائلًا أي اليوبيل النحاسي على الطلاق.
وفي الطريق نحو المنزل كنت أفكر بعمق في حديثه القصير. من ناحية سعادته لأمر الطلاق ومدى مصداقيته في العزوف عن الزواج. كذلك مدى راحته في العيش من غير أسرة. وإلى متى يتحمل هذا النمط المخالف للفطرة الإنسانية. فالإنسان بطبيعته كائن اجتماعي يميل للتكاثر والانتماء. وبالرغم من ذلك إلا أن ذلك الرجل يستحق جائزة بالفعل في حفل اليوبيل النحاسي على الطلاق. حيث إنه رفض الزواج بعد تجربته الأولى. واكتشف أنه لم يكن مؤهلًا للزواج ومازال لا يملك الرغبة بالارتباط والالتزام. وبالرغم من الضغوط التي تمارس عليه بشكل يومي إلا انه متمسك برأيه. حيث لا قدرة لديه أن يظلم شريكته. فلا قيمة للزواج إذا كانت المسألة تحقيقًا للفطرة من ناحية الإشباع الجنسي أو الإنجاب مقابل فقدان السعادة مع الشريك.