رمضاني إسلامي!

أرى اسمك في كل مكان وأسمعه بكل تعبير، وأرى انتشارك بكل ترويج ولم يقتصر اسمك بالظهور بالإعلانات التجارية بل تعدى ليكون إعلانًا ضد روحانيتك وقداسة وجودك ليتم دس ذاك السم فيما بيننا لنعتاده ويٌميت مظاهر الإسلام والمسلمين فيك تدريجيًا ودون أن نشعر.

كان بالسابق إن قالوا شهر رمضان أتى فأول ما يتبادر للأذهان صورة قرآن وصوت دعاء يرافقه بكاء، هو شهر للقرب والتوبة هو يحمل معنى الاعتكاف والخلوة مع الله بعيدًا عن ضجيج الناس، وإن اجتمعنا يكون تحت مائدة بسيطة تنسج ذكرى جميلة لطعم رائع مازلنا نريد استطعامه.

أما اليوم فأنت تحمل صورة سفرة مُتخمة بالمأكولات ولا يجلس فيها ألا أفراد قلائل وكمية ما يُرمى أكثر مما يؤكل منها، بتَ شهرًا لا يُنظر للقرآن فيك كثيرًا والذي لا يزال يشكو الهجر ممن لا يستطيع التفكير بمسك المصحف وتلاوة صفحة واحدة ليسمع خطاب الله له.

ما يُزعج أنهم يلصقون اسمك بأمور أنت بريء منها فلست شهرًا لاستعراض أفخم الملابس ليقال عنها ملابس رمضانية، ولست شهرًا لعزائم الأغنياء التي تُعرض فيها أغلى المأكولات لتوسم بوسم فطور أو سحور رمضاني ولا يكون للفقير منها نصيب.

أنت أصبحت شهرًا لعرض ما لا يليق بحضرتك من مسلسلات وبرامج دون أن ينطق ناطق ليدافع عنك وعن حرمتك، وإن نطق ناطق تم التهامه بالكلام والانتقاد.

سأذكر لك ما ساءني من أيام حيث وجدت تردد لفظة “في رمضان في رمضان” لدى البعض والتي يتم الضحك عليها وكأنها نكتة الموسم ولم أفهم المقصد ولم أعرف السبب، وحين بحثت عنها وجدت ما يخجل؛ رجل يستنكر تصرفًا يصدر بشهر رمضان لكن للأسف بدل تقديره والوقوف بصفه يتم الاستهزاء به ويتداول مقطعه كنكتة من النكت، ومقطع يتم تركيبه ومنتجته للإضحاك وكأن شهر رمضان واحترام حضوره شيء يستهان به.

والأدهى من يقول متجرئًا إنه لن يتكلم بفلان ويشتمه الآن لأنه صائم وأذا أفطر فيكون الأمر مسموحًا ومباحًا، أو من يعد العدة من الآن حيث يترك سماع الأغاني بهذا الشهر وإنه سيعود لها بعد انتهائه!

أي استهزاء يحصل بالعلن هكذا، ربما لو كان الإنسان يُخفي ذنبه ونيته يكون الأمر هينًا وربما سيتم بلعه لأنه لا نعلم ربما يتعرض لرحمة الله وهدايته و”لعل الله يُحدث بعد ذلك أمرًا”، ولكن التجاهر به يجعله لدى البعض أمرًا ممكنًا ومتقبلًا ويُخلّف وراءه جمهورًا مصفقًا يحذو حذوه.

المشكلة أننا نجد الرموز الدينية بيئة خصبة للاستهزاء والتفكه وللأسف نحن من نرضى على أنفسنا باستمرارها والقبول بها فترى المستهزئ يستهزئ ليُضحك جمهور مسرح بأكمله دون أن ينهض رجل غيور على دينه.

إضافة إلى أننا ودعنا أيام التسامح فيك فأعذرني إن أخبرتك إن كان البعض لا يعد لك كرامة لينظف قلبه ويسامح لأجلك ولأجل زيارتك القصيرة والسريعة فما هي ألا أيام وتغادر ولا نعلم أنعود معك أم لا؟!

أعود لأقول لك ليس لفظة رمضاني الخاصة بك هي من باتت مهتوكة بواقعنا، فحتى لفظة إسلامي باتت تشتري كل من أراد بيع إسلامه وهو يعرف أنه مجرد اسم ملصق يفيده حال الحاجة للتبرير، فقل لي كيف تستقيم كلمة “مايوه إسلامي” بعقلك مثلًا؟

هناك من يضع مسمى إسلامي على أمور مفروضة أو مرفوضة شرعًا بالعبادة، هناك من يقول حجابًا إسلاميًا والحجاب بريء من طريقة لبسه مثلًا، أو يروج لمنتجات لصق بها اسمه كـ مانكير إسلامي يجوز الصلاة به! لست في مجال الإفتاء هنا أبدًا ولكن هي ببساطة التفكير إن تجاوزنا وقلنا وسلمنا بجواز الطهارة والصلاة فيه لوصول الماء له رغم عدم اليقين بذلك وعدم تقديم أي ضمان، فهل يجوز الخروج به أمام نظر الأجنبي ليكون إسلاميًا وحلالًا؟

وبعيدًا عن منحى المسمى الإسلامي وحتى بعيدًا عن كوننا موالين وإن أطلت الحديث، هناك ما نشترك به كبشر مسلمين لن آخذ كل صفاتهم لكن تكفيني صفة (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) هل فعلًا نحن نحقق هذه المعادلة أم نعكسها؟

هناك قصص بالحياة مؤلم واقعها للأسف ونعجز عن تخيل صدورها من مسلم ونخشى تسربها وانتشارها والاستهانة بها فكيف لو صدرت من موالٍ أخذ وصف نُزعت الرحمة منه؟

هنا أتذكر ذاك المسلم الذي حمل الإسلام بقلبه وباسمه مسلم ابن عقيل (ع) حين كان يدافع عن الحق حتى لو كان وحده وغصته بقلبه إذ كيف يُرمى بالحجارة وبالنار كما ترمى على الكفار.

كان خوفه على الإسلام وعلى حُسينه مُوثقًا بصفحات التاريخ حتى باللفظ لم يكن ليتنازل ليدعو أحدًا بلفظ أمير لأن أميره الحسين (ع) فكان الموثوق من إسلامه ودينه ليأخد مهمة مواجهة من تزلزل الإسلام معهم وتم بيعه عندهم لأجل أموال زائلة.

بيومي الخامس منك يا شهر الله كان مسلم ابن عقيل من قدم لي تمرة إفطاري فيك لعليّ آخذ منه معنى المسلم المسالم الذي لا غدر لديه حتى مع الأعداء فهل تُراه يغدر بالأحباء عقلًا؟!



error: المحتوي محمي