أعاننا الله وإياكم على غلاءِ الأسعار وارتفاع كلفة المعيشة، بين نومٍ واستيقاظ ترتقع الأسعار نسبةً ملحوظة! فليس إلا الرجاء من الله أن بين طرفة عينٍ وانتباهتها يغير أحوالنا إلى أحسن الأحوال ويرخص ما غلا!
من ذكريات حيل التجار في إغراء الزبون الغافل المتعجل من أمثالي ما رأيته في الثمانينات من تسجيل سعر البضاعة في أمريكا بحيث يكتب التَّاجر الدولار بخطّ عريض والجزء من الدولار “سنت” بخطّ صغير جدًّا، فإذا كان سعر البضاعة 999,95 دولار يكتب الكسر 95 بخطّ أصغر بكثير من الرقم الصحيح، فلا يكاد يراه الزبون، ويفرح الزبون لأن البضاعة بالمئات وليست بألف! الفارق بسيط جدًّا إذا كان السعر عاليًا، وفي حال كان السعر 9,99 مثلًا، كان الفارق كبيرًا جدًّا!
آنذاك، كنا أنا وأصدقائي الطلبة الغِرّ ندخل في جدالٍ مع الباعة لأن هذه الطريقة لم نعتدها في بلادنا. في هذه الآونة استورد المتجر الذي أتبضع منه هذه الفكرة -نحن نستورد الأفكار، الطيِّب والرديء- فكلما أشتري منه أتفاجأ بزيادة ريال، لأنني لا أنظر للهللات المكتوبة بخطّ صغير جدًّا!
يستغرب أصدقائي الشباب عندما أحكي لهم عن رخص الأسعار أيام زمان! كنت أشتري الفاكهة؛ الموز وغيره بالصندوق وأستحي أن أشتري كيلو واحد أو اثنين لأن سعرها كان قليلًا جدًا. كنا نقول عن الذين نراهم في أسفارنا وفي متجر الشركة من الأجانب الذين يشترون الفاكهة بالحبة الواحدة إنهم بخلاء، ولا يصرفون على أنفسهم! في ذلك الوقت كان التاجر لا يأخد الجزء من الريال مهما كان سعر البضاعة، ولا ما فوق المائة إذا قل عن عشرة ريالات، لم يذهب الخير ولم تذهب البركة والنَّماء من تجارته! الآن الوزن بالغرام الواحد والحساب بالهللة الواحدة!
لطالما كانت النصيحة من رسول الله صلى اللهُ عليه وآله في مثل هذه الحالات “من اقتصد في معيشته رزقه الله، ومن بذر حرمه الله”، أكبر سلاح يواجه به الزبون غلاء الأسعار هو ترك شراء ما لا يحتاج وترشيد ما يحتاج، ولطالما كانت النصيحة للتاجر من الرسول أيضًا “يا وزان، زن وأرجح” وسوف تجد البركة في تجارتك!
أرجو ألا يغضب الشباب إذا سألتهم إن كانوا يدخنون؟ كان سعر العلبة ريالًا واحدًا والآن نحو العشرين ريالًا؟ ثم إن كانوا يرتادون المقاهي التي انتشرت مثل نبات الفطر، الكوب الواحد بنحو خمسة عشر ريالًا أو أكثر؟!