حين يقول أحدهم إنه أتى بطعام من البلد الفلاني نتحمس لتذوق طعم جديد، فقد تتغير بعض المذاقات حتى لو كانت تحمل نفس الاسم للصنف ويعتمد على البيئة الزراعية إذا كان أمرًا مزروعًا، ويعتمد على العادات وطريقة التحضير والتقديم إذا كان شيئًا مطبوخًا.
مع التقدم بالأيام أصبح ليس فقط الطعام الذي يأتي من الخارج يستهوينا تذوقه بل كل شيء خارج أسوار المنزل حتى لو كان متوفرًا فيه، فالبطاطس أو البرجر أو أنواع المكرونة وحتى أنواع الرز مثلًا لا تحلو إلا من المطاعم.
ورغم الكم الهائل من التحذيرات من المطاعم وعدم نظافتها وعدم ملاءمتها للصحة والتي لا أتوقع أنه لم يصل لأحدهم بعض المقاطع للحملات التفتيشية التي لا أستغرب إن أشاح أحدهم بوجهه عنها أو أوقفه لرداءة المنظر حيث تكشف عن جريمة بحق الذات حال التعامل مع هكذا مطاعم لا تلتزم الأمانة بالنظافة وسلامة مصدر لحومها وغيرها.
لا أعلم كم ينبغي علينا أن نشاهد من مقاطع شبيهة لنضع (إكس) كبيرة على المطاعم، كم ينبغي على المختصين أن يقولوا إن سبب انجذابنا لأكل المطاعم أنهم يضعون ما يسبب الإدمان والعودة لطلبه.
بالطبع ليس الجميع يفعل ذلك، ولكن هل نستطيع مقارنة طعام أعد بالمنزل نعرف كل مصادره وكمياته وطعام لا نعرف سوى طلبه ودفع قيمته؟!
واحدة من الأمور التي تفرق بينهما كمية الزيت ومدته فمعلوم أن المطاعم تستخدم كميات كبيرة للقلي ولكن هل هذه الكمية تبقى لكم من الأيام؟!
بلياليك يا شهر الله صحيح أن الغالب لا يلجأ للمطاعم كثيرًا لهذا بعض المطاعم قد تُغلق ويسافر عمالها فيه لأنه لا يوجد طلب كثير عليها، لأن الأمهات والزوجات قد سحبن البساط منهم بكثرة أصناف الإفطار والسحور فيك واللاتي يتباهين بصنعها إلا إذا فقدن الشغف بنهايتك ولجأن للمطاعم وغيرها.
وبالطبع ليست كل الأصناف صحية وتناسب هدف تنظيف أجسادنا من السموم المتراكمة على مدى أشهر أو سنين فيك، ولكن هناك طعم لطيف من اللذة من طعام البيت؛ لأنه بالطبع يحمل طابع الحب الذي يجعل الأم أو الزوجة أو الأخت تقوم وتتحمل وقتًا طويلًا لإعداد طبق أو أكثر وتتحمل كل ما تتعرض له من حروق أو جروح في سبيل إعداده رغم التزامها بأمور أخرى إضافية كعمل أو تربية أطفالها وتعليمهم.
وهناك طعم ألطف من اللذة حين يمتزج نفّس إعداد الطعام مع أنفاس من الذكر الحكيم أو ذكر أهل البيت فيه، هنا يدخل الطعام بمعيار آخر من اللذة لا تتنافس معها أشهر المطاعم بالعالم.
في أحد الأيام زارتني إحدى الصديقات وطلبت مساعدتي في إعداد الدونات المخصص للمعزين لوجود قراءة بالمنزل، وأعجبتها العجينة وحين سألت عن المقادير أتضح أنها بنفس المقادير التي تعملها هي لكنها عبّرت بأنها أفضل من التي تعملها رغم تساوي المقادير فقلت لها: بالطبع ستختلف لأنها لأهل البيت، ولو أعددتها لغيرهم لكانت ستختلف.
اعتقاد بتُ أعتقده أن كل شيء يمسه ولو ذكر بسيط ونيّة أبسط بتقديم القليل بحقهم فإن الطعم سيكون مختلفًا تمامًا وسيسأل البعض عن الطريقة العجيبة ولا طريقة واقعًا سوى أن يد البركة حلت فيه فحلت طعمه ليكون من مكونات موائد السماء.
حين نتكلم عن الموائد فلا مائدة تخطر على البال مثل مائدة أم البنين (ع) فيكفي الحصول على الماء فقط من مائدتها ليحظى صاحبها بالخير الكثير والبركة.
اسمها وحده حين تقول إنك تعد مائدة لها أو سفرة ترى من يتنافس لتقديم طبق ليدخل تحت مائدة عطائها الذي لا ينحصر بمجال تقديم الطعام، فبركاتها تصل لشفاء مريض وفك أسير وإيجاد ضالة وحل معضلة وقد تصل لنجاة من موت محتم أيضًا بإذن الله.
أم البنين (ع) تجد بضيافتها الكرم والكرامة التي دل المجربون عليها من القاصي والداني، ويتناسب ذكر ضيافتها بأيام الضيافة الإلهية فيك يا شهر الله.
لهذا كانت تمرة إفطاري اليوم برعاية يدها الكريمة فليس مهمًا أن تكون موائدنا عامرة بالمأكولات التي تثقل كاهل جهازنا الهضمي لكن المهم أن تحمل نورهم فيها ليحل النور داخل خلايا أجسادنا وأرواحنا لتنمو عليه ونتنعم بطعم إجابة (اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ) ولا شك أن مائدتها منزلة من السماء حتى لو صنعها أهل الأرض.