مسيرة عطاء مُلهمة، سطرت قصة نجاح، وكفاح ومثابرة عظيمة بدأت منذ 12 عامًا في أروقة التطوع، والعمل الخيري بإخلاص، وتفاني، وإدارة حكيمة واعية، ومتوازنة حققت إنجازات لن تُنسى أبدًا، لتبقى كلمات الشكر عاجزة عن إعطاءها حقها.
على إثر ذلك وقفت عضوات وعاملات جمعية العطاء النسائية الأهلية بالقطيف، يوم الثلاثاء 29 مارس 2022م؛ لتكريم مؤسسة ورئيسة الجمعية السابقة، الدكتورة أحلام عبد الكريم القطري في احتفاء شخصي منهن تقديرًا لجهودها المعطاءة في العمل الخيري، بعمارة الدهان في القطيف.
وعلى هامش التكريم .. كان لـ«القطيف اليوم»، لقاءً خاص مع “القطري” للحديث عن مسيرة العطاء لها.
بذرة التطوع
ساهمت نشأتها في بيت معطاء، ورؤيتها لأمها وجدتها داعمتين دائمًا للأهل والجيران والمحتاجين منذ طفولتها في تكوين شخصيتها داخل العمل الخيري، بالإضافة إلى جهود شقيقتها الكبرى سميرة مع صديقاتها لوضع بذرة تأسيس ما يمكن تسميته بالعمل الاجتماعي غير المنظم في ذلك الوقت المبكر.
وكانت بداية عهدها في العمل الخيري حين انضمت للجنة النسائية لخيرية القطيف عام 1424ه، لتتولى رئاسة اللجنة لأكثر من عامٍ، ثم تصبح بعد ذلك رئيسة لجمعية العطاء النسائية بالقطيف عام 1429ه، من ضمن 34 سيدة من مؤسسات الجمعية، واستمرت في الرئاسة لمدة ثلاث دورات متتالية مدتها 12 عامًا، وساعدها في ذلك خبرتها العملية، وقيادتها الحكيمة.
واجبًا وليس تفضلًا
ذكرت “القطري” أن التفاعل والتواصل بحاجة إلى أن تعطي ما يمليه عليك دورك على هذه الأرض لتنميتها وإعمارها، مؤكدةً أن ما فعلته كان واجبًا وليس تفضلًا منها، وأن عملها أعطاها الكثير، والتجربة الثرية والتواصل الفعال عموديًا وأفقيًا على حد وصفها.
وتحدثت عن مميزات الإدارة الناجحة قائلةً: “العنوان الحقيقي للإدارة هو القيادة؛ فالإدارة تقع كبند أول ومهم ضمن بنود القيادة التي لها عناصر من الممكن أن تكون لديّ، ولكني طورتها وقننتها بالخبرة والحس والاطلاع ومن أهمها المرونة والذكاء العاطفي، والولاء والانتماء الوطني والمجتمعي، والإيمان بالتكليف بما نفعل، وليس التشريف، والتفكير الجمعي ببناء رؤية نحن، وليس أنا، وكذلك التواصل الفعال والإيجابي مع المحيط، وحسن الإصغاء والحلم وغيرها الكثير”.
صعوبات وتحديات
رغم عملها بمستشفى الملك فهد الجامعي بالخبر استشاري لأمراض الدم، ورئيسة قسم مختبر أمراض الدم لمدة سنوات، إضافةً إلى التدريس، إلا إنها استطاعت التوفيق بين عملها الوظيفي، والاستمرار في ترأس جمعية العطاء، معقبة على ذلك: ” لا بد من صعوبات، ولكن المثابرة والإصرار على التحدي الأساس في العمل الخيري؛ فالإنسان بالمجمل لديه طاقة خلاقة لا بد أن يوظفها وهكذا قد كان”.
واستكملت حديثها عن أهم التحديات والصعوبات التي واجهتها، بقولها: “الصعوبات كثيرة وبعضها مزعج، أولها أن رؤية جمعية العطاء منذ نشأتها تتبنى التمكين، والتنمية كمنهج، وسلوك في وقت كانت الرعوية هي المستبدة لمخرجات العمل الاجتماعي في حينها”.
صوت مختلف
وتابعت “القطري”: “كان لنا صوت مختلف بالنسبة لحقوق المرأة في التمكين الاقتصادي، والاجتماعي كممثلة لنصف المجتمع، حرصًا منا على التنمية المستدامة لوطننا الغالي، واستثمار طاقاتها في هذه التنمية، ناهيك عن تأخر موافقات البرامج، والمشاريع، وتعدد الجهات ذات العلاقة، وغيرها من الأمور التقنية التي ليس آخرها كفاءات الموظفين، والوضع المالي للمؤسسة وغيرها، ولكننا تغلبنا على ذلك نحن جميعًا كسيدات فاعلات بالجمعية مجلسًا وأعضاءً، وموظفات بالصبر والإيجابية والواقعية، والإيمان بما نفعل”.
التحدي الأساسي
وأوضحت أن التحدي الأساسي ليس بأن تكون الجمعية فاعلة ضمن جمعيات المنطقة كما هو سائد فقط، وإنما بمنظور مختلف يحمل ما هو جديد وفعال على المستوى التنموي، معتقدةً بتمكن الجمعية من ذلك مقارنةً بعمر الجمعية، مشيرةً إلى تفهمها أن الدعم المادي للمجتمعات الرجالية، وأيضًا الاستقطاب العاطفي للمجتمع تجاه الرعوية على حساب البرامج التنموية له دور في ذلك.
ولفتت إلى المتغيرات التي تحملها رؤية المملكة الطموحة 2030م، حيث بدأت تغير المشهد، وترفد الوعي بالمفاعيل التنموية وأثرها.
القرار الجمعي
وعبرت “القطري “عن رأيها بالأعمال الفردية والجماعية، قائلةً : “بالقطع الأعمال الفردية أسهل بكثير من الأعمال الجماعية؛ لأنك أنت الذي تملك القرار، بينما الجماعية هناك عقول تتلاقح وفيض من القناعات المختلفة بعضها يعارضك بشدة لدرجة إجهاض مشروعك في آخر الأمر وهذا حاصل، وهنا يأتي دور القائد للتمييز والأخذ بالإجراء الموضوعي، وإعادة جدولة تفعيل الأفكار، والمبادرات واختيار المداخل المختلفة للإقناع، لكن يبقى القرار الجمعي هو الحاكم”.
أهم الأعمال والإنجازات
“القيادة بكل تفاصيلها المعقدة والمسؤولية”، كانت من أهم الأعمال التي كانت تقوم بها أثناء رئاستها للجمعية، حسبما قالت، وهذا لا يعفيها من القيام بأقل الأعمال التنفيذية إذا احتاج الأمر بالشراكة مع كل العضوات والموظفات، مؤكدةً أن التعاون والشراكة في العمل كان يحدث على الدوام.
وتحدثت عن الإنجازات الكثيرة التي تُحسب لها ولمجلس الإدارة والعضوات جميعًا، ومن أهمها: التشبيك مع مؤسسة الملك خالد الخيرية بالرياض، تلك المؤسسة الرائدة في تطوير المنظمات الربحية بالمملكة والتي وفرت للجمعية التدريب، بالإضافة لدعم بعض المبادرات ومنها التريب ومنح البرامج الاجتماعية.
كما عقدت شراكة مع كلية المانع الصحية؛ لتدريس طالبات الأسر المستفيدة من الجمعية ضمن برنامج كفالة طالب (البرنامج التمكيني بامتياز)، بالإضافة إلى الشراكة مع جهات عديدة تعنى بحماية البيئة مثل شركة (داز) للتخلص من النفايات الإلكترونية، والشراكة مع جمعية (ارتقاء) لتدوير الأجهزة الإلكترونية لرفد الأسر المستفيدة لدينا ولدى الجمعيات الأخرى بها.
وفي إطار الاهتمام بالبيئة، عقدت شراكة مع وزارة البيئة والزراعة والمياه؛ لتنفيذ عدة مشاريع تخدم البيئة في الوطن، وافتتحت محل (الاستهلاك الذكي)؛ لتدوير وبيع الأدوات المستعملة من باب حماية البيئة، وكذلك مشروع رداء المودة والذي يوفر الملابس للمحتاجين.
وكذلك عقدت شراكة مع برنامج (ريف) لدعم المشاريع الزراعية، والصناعات المتعلقة بالزراعة، فضلًا عن شراكتها مع (بنك التنمية الاجتماعية) والذي اخترنا حصرًا كطرف ثالث لمنح قروض للمشاريع المتناهية الصغر لأبناء المحافظة.
مراحل وخطوات
وأسهبت :”هناك مراحل وخطوات وليس خطوة واحدة بمفاعيل عضواتنا الرائعات، أولها استقطاب عضوات ذوات خبرة إنسانية، وعملية رائعة وهو ليس بالأمر السهل، واختارنا من بين خمس جمعيات بالمملكة لإنشاء إدارة تطوع تماشيًا مع رؤيتنا الطموحة رؤية 2030م، مرورًا بتمكين فتيات الأسر المستفيدة، وتسلحهم بالتعليم والعمل، إضافةً إلى إدراك الجمعية المبكر بأهمية الحفاظ على البيئة”.
مشاعر وزخم إيجابي
وصفت “القطري” مشاعرها بما حققته من إنجاز مع الجمعية، بأنه إنجاز مليء بمشاعر الفخر، والاعتزاز، والعمل الجماعي، والزخم الإيجابي ببيئة الجمعية الداخلية وهو أهم وأعظم ما حققته برأيها.
وحول سبب التنحي عن الرئاسة، علقت قائلة: “قرار التنحي جاء لإعطاء غيري فرصة لتسديد الجمعية، والاستفادة من هذه التجربة الثرية التي تغني تجاربهم، وهذا من دون شك هو لصالح الجمعية، وخليفتي هي الدكتورة والصديقة العزيزة كوثر العمران، سيدة لديها من التجربة في العمل الاجتماعي، والانتماء للجمعية والمجتمع وكذلك الخبرة العملية الكثير، فـ رؤيتنا واحدة مهما اختلفت الاستراتيجيات، مما أعتبره امتدادًا لرؤيتنا في تنمية المجتمع”.
بعد التقاعد
تفرغت القطري بعد التقاعد لمشاريع مجتمعية ونشاطات أخرى لجعلها أكثر تمكينًا وتنموية، بالإضافة إلى ممارسة اهتماماتها المختلفة ومن بينها الأدبي والإنساني.
ووجهت عدة نصائح لجميع أفراد المجتمع، في ختام حديثها، أبرزها عن أهمية الانتماء للعمل المجتمعي فهو المحك والمسؤولية، وأفضل العبادات للإعمار والتنمية، مستشهدة بذلك “خيركم أنفعكم للناس”، كما يجب التحلي بالصبر، والطموح ليصبح العطاء مؤسسة وطنية، تخدم الوطن بما يستحقه من تنمية مستدامة، بدءًا بالمجتمع المحلي وامتدادًا لكل الوطن.
في حفل التكريم
بدأ حفل التكريم بكلمات مليئة بالتقدير، والثناء قدمتها، عضو مجلس الإدارة بجمعية العطاء نجاح العمران إهداءً لـ “القطري”؛ لعطائها اللا محدود، وأثنت بكلمتها على رحلتها ودورها الإيجابي، وصبرها والتزامها طوال فترة ترأسها لثلاث دورات وما مرت به الجمعية من تغيرات وتحولات.
وعُرض فيديو مرئي للفعاليات التي أقيمت خلال فترة رئاسة “القطري” استرجعن فيه ذكريات تلك الأيام وفرحتهن بالإنجازات والأنشطة والمشاريع، وتبادلن شعور النشوة بالنجاح والتميز.
واختتم الحفل الذي نظمته نائب رئيس الجمعية ميثاق الجنابي، بالتعاون مع عضو مجلس الإدارة نجاح العمران، بتقديم الهدايا ودرع التكريم، لتتوجه “القطري” بالشكر لجميع العضوات والعاملات على ما قدمنه، مؤكدةً أن جميعهن يستحقّن التكريم، وليس وحدها.