دعا خبير الطاقة الدولي فؤاد الزاير إلى التحوّل نحو مصادر الطاقة البديلة منخفضة الكربون، واعتماد وسائل أكثر نظافة وتلاؤمًا مع البيئة في التعامل مع النفط والغاز والفحم، وذلك حفاظًا على البيئة والإنسان.. منوهًا بالجهود الدولية المبذولة في هذا الشأن، وتحديدًا الجهود السعودية المتواصلة الرامية لبيئة أكثر نظافة، والتي تنطوي على العديد من الفوائد على الصعيدين الاقتصادي، والاجتماعي؛ فهناك خطوات ومشاريع عدة تقام في المملكة في هذا الاتجاه مثل مشروع الهدروجين الأخضر في نيوم ومبادرة السعودية الخضراء وغيرها من المشاريع.
وقال المهندس فؤاد بن عبد المجيد الزاير “المستشار في مجال الطاقة، مدير إدارة المعلومات في منظمة أوبك سابقًا، ومدير شفافية المعلومات العالمية في منتدى الطاقة الدولي” خلال محاضرة بعنوان “الطاقة المتجددة في عالم أكثر استدامة” أقيمت بمقر منتدى الخط الثقافي بمحافظة القطيف الذي يشرف عليه الإعلامي فؤاد نصر الله، وأدارها محمد الجشي المستشار في الأداء المؤسسي وتنمية الموارد البشرية، بأن ثمة نظرة متحيزة من قبل كثير من الدول المستهلكة ضد صناعة النفط والغاز، تحت مبرر البيئة، تتجاوز حقيقة ينبغي الاعتراف بها وهي أن العالم سيحتاج النفط والغاز طوال عقود عديدة قادمة، بل لا يمكنه الاستغناء عنهما في المستقبل القريب، لهذا يجب أن تتكاتف الجهود العالمية، والبحوث لاستخدامهما بشكل أكثر نظافة، باعتماد طرق كثيرة في هذا المجال، منها تكنولوجيا التقاط الكربون وحبسه، وإعادة تدويره، وذلك دون إغفال الدعوة لتكثيف الجهود للتحول العام نحو المصادر منخفضة الكربون مثل الطاقة النووية، والطاقة المتجددة الآتية من الطاقة المائية، وطاقة الرياح، والطاقة الشمسية، والطاقة الحرارية الأرضية، عدا أن هذا التوجه والتحول ما يزال بطيئًا نسبيًا؛ فلم يتخط نسبة 16٪ من الطاقة العالمية، مقارنة بحوالي 13 % في سنة 1990 ما يعني أن الوقود الأحفوري ما زال يهيمن على مزيج الطاقة العالمي بأكثر من 80٪ من استهلاك الطاقة، ومعظم الدراسات تشير إلى أن مزيج الطاقة في عام 2050 سيستمر باعتماده على الوقود الأحفوري مع مساهمة متزايدة من الطاقة المتجددة.
وقال الزاير إن استهلاك الطاقة بشكل سريع قد ارتفع منذ الخمسينيات من القرن الماضي وذلك لأسباب عديدة منها تأثير الحروب العالمية، والتي كان لها دور حاسم في التحوّل من الاعتماد على الفحم إلى البترول، وقد بدأت العملية في بريطانيا عندما قررت استخدام النفط بدلًا من الفحم في سفنها الحربية في سنة 1914 ومن ثم تم تعميم ذلك لكافة الدول الأوروبية فصار النفط المصدر الرئيسي للطاقة في العالم، نظرًا لما يتمتع به النفط من مواصفات أبرزها وجوده بكميات كافية، وبأسعار مناسبة نسبيًا، فضلًا عن سهولة نقله وتخزينه، وهذه الميزة بارزة ومهمة جدا في النفط.
ويرى الزاير أنه في السنوات الأخيرة، برزت العديد من المشاكل البيئية النابع بعضها من استخدام الوقود التقليدي الفحم، والنفط، والغاز، حيث ظهرت دراسات تؤكد ان وجود علاقة بين الارتفاع في استهلاك الوقود الأحفوري وزيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، مما أدى إلى إنتاج واحدة من أخطر المشاكل البيئية في عصرنا هذا وهو “الاحتباس الحراري” موضحًا بأن الانتقال التدريجي من الحطب إلى الفحم ومنه إلى النفط والغاز ساهم في التحوّل من أنواع الوقود ذات نسب الكربون المنخفضة إلى الوقود ذي نسب عالية من الكربون، لهذا ارتفعت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من ثلاثة ملايين طن سنة 1900 إلى 400 مليون طن في العام 2000، أي أكثر من 13 آلاف ضعف خلال 100 سنة.
واستعرض الجهود الدولية التي تبذل من أجل معالجة مسألتي التغير المناخي والاحتباس الحراري، خاصة بعد تفاقم الأمر، وزيادة حرارة الكرة الأرضية، إذ أن هناك قمة دولية تقام سنويًا برعاية الأمم المتحدة لمعالجة المناخ، كما تعد اتفاقية قمة المناخ في باريس لعام 2015 قمة تاريخية في قرارتها الرامية للحد من متوسط ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية، والتي منها؛ تعهد المجتمع الدولي في باريس بحصر ارتفاع درجة حرارة الأرض وإبقائها “دون درجتين مئويتين”، قياسًا بعصر ما قبل الثورة الصناعية، وبـمتابعة الجهود لوقف ارتفاع الحرارة عند 1.5 درجة مئوية.
واتخاذ عدة إجراءات للحد من استهلاك الطاقة والاستثمار في الطاقات البديلة وإعادة التشجير في العالم، عدا أن أهم إجراء في هذا الاتفاق هو وضع آلية لمراجعة التعهدات الوطنية، وستجرى أول مراجعة إجبارية في 2025 ويتعين أن تشهد المراجعات التالية “إحراز تقدم” ما على هذا الصعيد، علمًا بأن هناك جزرًا ودولًا ساحلية عدة ستصبح في خطر في حال تجاوز ارتفاع حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية.
وفي هذه القمة وعدت الدول الغنية بتقديم مائة مليار دولار سنويًا بدءًا من 2020 لمساعدة الدول النامية على تمويل انتقالها إلى الطاقات النظيفة، ومساعدة الدول التي تتأثر بالاحتباس الحراري من ذوبان كتل الجليد أو ارتفاع مستوى المياه مثلًا.
وهذا اعتراف مبطن من الدول الغنية، والمتقدمة بأنها هي المسؤولة عن تلوث كوكب الأرض وأنها هي التي استفادت من استخدام الطاقة عبر الزمن.
وفي قمة المناخ الأخيرة والتي انعقدت في جلاسكو قبل أشهر توصلت الدول المشاركة في القمة إلى اتفاق عالمي لتعزيز العمل بشأن المناخ، وشمل ذلك صياغة بشأن تخفيض إعانات الفحم والوقود الأحفوري.
وحث العالم إلى أهداف المناخ هذه حيث يجب أن ترتفع نسبة الطاقة المتجددة من حوالي 16٪ في الوقت الحالي إلى 66 %بحلول عام 2050، وهذا يعد تحديًا كبيرًا لتحقيقه.
وفي هذا الشأن أشاد بخطوات المملكة في التحوّل نحو الطاقات النظيفة مستعرضًا جملة من المشاريع كجزء من هذا التحول مثل مشروع نيوم للهيدروجين الأخضر ومشروع سكاكا للطاقة الشمسية، ومشروع السعودية الخضراء والتي بسببها ستجعل المملكة ـ بإذن الله ـ رائدة في مجال الطاقة المتجددة مما سيؤدي إلى” استخدام الطاقة المتجددة بمقدار 50% من إنتاج الكهرباء بحلول عام 2030، المساهمة في انخفاض الاحتباس الحراري العالمي، وتكوين صناعات بديلة في المملكة، وتنويع مصادر الدخل، فضلًا عن النتائج الاجتماعية والاقتصادية التي يستفيد منها الجميع، خاصة في سوق العمل لجيل الشباب والشابات.
ولفت إلى أن هذا التحول سيخلق تحديات وتغير لمتطلبات سوق العمل، والتخصصات المطلوبة في هذا المجال، فعلى مستوى العالم بحلول 2050 سيؤدي هذا التحول إلى خسارة وظائف كثيرة في قطاع الفحم والنفط والغاز بحوالي 7 ملايين وظيفة، لكنه سوف يوفر حوالي 19 مليون وظيفة جديدة في قطاعات الطاقة المتجددة المختلفة.
بعض هذه الوظائف والتي سيكون عليها طلب متزايد في المستقبل هي: “أخصائي تقني لانتقال الطاقة، وأخصائي الطاقة المتجددة، ومستشار كفاءة الطاقة، فني توربينات الرياح، فضلًا عن المهندسين والتقنين ومديري المشاريع، ومحللي الأعمال والاستشاريين، والمهندسين المعماريين، والمصممين، والباحثين.
كما ذكّر الزاير الحضور بأن هناك بليون شخص حول العالم يعيشون بلا كهرباء، و يعانون بما يعرف بفقر الطاقة.
وأن هناك 3مليارات من سكان العالم لا يحصلون على وقود نظيف.
لهذا على العالم أن يساعدهم ليعيشوا حياة كريمة بجميع وسائل الطاقة المتاحة لديهم. علمًا بأن المملكة تساهم مع منظمات دولية عدة كمنظمة الأوبك للتنمية الدولية، وغيرها من المنظمات للمساهمة في هذا المجال الإنساني المهم.
و في الختام ذكر الزاير أنه ليس هناك حل واحد لمعضلة كوكبنا ولكن هناك مجموعة من الحلول والتي يجب على العالم أن يتحد ليتخطاها، كما يجب أن يعترف العالم بأن صناعة النفط، والغاز التقليدية يجب أن تكون جزءًا من الحل، وليست من المشكلة ليستطيع العالم تحقيق أهداف الأمم المتحدة الداعية إلى توفير طاقة نظيفة بأسعار معقولة لكل سكان العالم بحلول عام 2030.
وشهدت المحاضرة عددًا من المداخلات قدمها كل من؛ لؤي العوامي، نادر البراهيم، د. عبد العزيز الحميدي حسين الدبيسي، حسن الزاير، خالد الخالدي، حالد الناجي، وأحلام الزاير، وعبدالعزيز الخلفة.
ثم قدم كل من الدكتور منير عبد العظيم أبوالسعود، والدكتور زكي عبد الله نصر الله درع المنتدى، وشهادة تقدير للضيف، ومدير المحاضرة.