أن تضع المايك أمام شاعر ما، وتطلب منه الحديث عن تجربته الشّعرية، فإنَّك، تقتحم عالمه، تُعيده لفوضى حواسه، تُبعثره مُجددًا، وتمنحه فرصة لتأثيث لغته، وأفكاره، وقد يهمس في أذنيك شيئًا، لم يُفصح به يومًا إلى أحد ما، هذا كان حال الشَّاعر والرّوائي سلمان محمد العيد، خلال الحديث عن نفسه، وكيف يقرأ ذاته شعريًا، ويصف تعلقه بهذا الفن.
بزغت موهبة الشَّاعر والرّوائي العيد، المُنحدر من جزيرة تاروت، المسكون بالحُب؛ حُب الأرض والإنسان، للنور في أيام الدّراسة، وقد كانت في مراحلها الأولى، ولكنها كانت تحتاج إلى الاحتضان لكي تنمو، وقد كان محظوظًا عندما وضعه القدر بين يديّ مُعلم يُتقن مهارة احتضان المواهب؛ لأنَّه يعيش ثقافة الإبداع، ويغرسها في طُلابه؛ ليكتشف ما يتمتعون به من مواهب ويقُوم بصقلها وتطويرها.
ولم يتضح بعد!
تحدث العيد لـ«القطيف اليوم» عن بداياته في تعلقه باليراع، ومُمارسة الكتابة عبر هندستها البريئة، مُسترجعًا فُصول حكايته قائلًا: “بدأ عندي حُب الكتابة بمعناها العام أيّام المدارس الحُكومية، وتحديدًا في مادة الإنشاء “التَّعبير”؛ حيث إنَّه في المرحلة الابتدائية كان يُعلّمنا مُعلم من بلاد الشّام، يُدعى “أديب علّام”، كان ذا خط جميل، وكان يُعلّمنا، كيف نكتب الرّسالة إلى الصَّديق، ونصف الشَّاطئ، والرَّبيع، فكان تعليمه يدور حول الخاطرة والرّسالة والمقالة فقط”.
وأشار إلى أنَّ بعض المُعلمين كانوا يتعمدون وضع سُؤال يُمكن الحصول على إجابته من المُقرّر، وكان بعضهم يطلب منهم الإجابة عن الأسئلة من الفهم، لا من النَّقل، ولكنَّهم لم يلتزموا بذلك، حيث يقُومون بنقل الإجابة كما هي.
وقال: “هذا لم يُزعج المُعلم؛ لأنَّه حقق الغرض، إذ دفع الطالب لمُذاكرة الدَّرس، ولكنَّها مُذاكرة كتابية، واستمرت معي هذه الهواية على هذا المنوال”، مضيفًا: “بعد ذلك نمت لديَّ الهواية أو الرَّغبة، لتصل إلى بهو المرحلة المُتوسطة، مع مُعلم اللّغة الفلسطيني المعروف في جزيرة تاروت أحمد عوّاد، الذي أضاف لي الشيء الكثير في عالم الكتابة، ثمَّ أكمل تلك الإضافات مُعلم سوداني، يُدعى عبدالله بابكر، وذلك في المرحلة الثَّانوية، حينها بلغت سُنَّ الرُّشد، وكنت من المُتفوّقين في مادة الإنشاء”.
ولفت إلى أنّه في هذه المرحلة العُمرية، كشاب يهفو إلى الولوج في موهبته، ليتعمق أكثر في تلبية شغفه، مُتأملًا المُستقبل، ليشق طريقه إلى حيث الوجهة، التي سيضع فيها رحاله، وتستقر فيها أبجديته.
وروى أنه في امتداد المرحلة الثّانوية لم تتضح الصُّورة بعد وإلى أين سيرتفع يراعه وينسج أبجديته، مُكتفيًا بكتابة المقالة، يُجسد فيها ما تعلمه من مُعلميه في مادة الإنشاء، مُتخذًا من التّدوين الطَّريقة الفضلى لحفظ أي معلومة يُريد الاحتفاظ بها، فأيَّ قصيدة، أو مقطوعة، يسعى إلى كتابتها، تمهيدًا لحفظها، مستشهدًا بما يُقال: إنّ الإنسان، يحتاج إلى ذاكرة من ورق، لتُساعده على الحفظ.
الأخ القدوة
من حُسن حظ العيد أنّه في مرحلة صقل موهبته لاقى احتضانًا أشبعته صلة الرّحم من قبل أخيه الأكبر جعفر العيد، حيث استفاد كثيرًا منه؛ لأنّه كان يجلب عددًا من الجرائد والمجلات والكتب، ليجد -العيد الأصغر- في ذاته شخصًا مُتسولًا بدرجة امتياز، نهمًا، يقرأ بشغف، ويتغنى بالأبجدية في مُختلف ألوانها.
وأردف: “من خلال ما جلبه أخي قرأت موضوعات عديدة نشرتها مجلات الحوادث، والمُستقبل، والوطن العربي، واطلعت على مجموعة كتب دينية، واجتماعية، منها: كتب دايل كارنيجي، مثل: كيف تكسب الأصدقاء، دع القلق وابدأ الحياة، ودواوين إيليا أبو ماضي، مثل: الخمائل، تبر وتراب، وكتب بعض رجال الدّين المعروفين في العالمين العربي والإسلامي، خاصة بعد الموجة الدّينية التي هبّت على بلادنا مطلع الثَّمانينيات الميلادية، حيث شاءت الأقدار أن أكون من المُتأثرين بهذه الموجة، والمُستفيدين من عطاءاتها الإيجابية، وقد استفدت كثيرًا من اختلاطي ببعض رُموزها في بلادنا الحبيبة، الذين هم أساتذة وقدوات بكلّ ما في الكلمة من معنى.
وأكمل: “تلك هي البدايات، ولم ألتحق بجريدة، ولا نشرت قصيدة، ولا أي مادة أخرى، حينها”.
ألا يكون؟!
وتكلم عن تجربته الكتابية بين الأدب والصَّحافة، وقال: “إنَّ الحديث عن التَّجربة الذَّاتية في مجال الكتابة، يأخذ في الغالب جانبين، هُما: الصَّحافة، والأدب”، مُضيفًا: “والثَّاني يأتي على شكلين، هُما: النَّثر والشّعر”.
وذكر أنَّه في بداية تسعينيات القرن الماضي، التحق بإحدى الصُّحف المحلية، مبينًا أن الغرض حينها يكمن في طلب الرّزق الكريم بصورة تتواءم مع الهواية التي يحملها، وهي الكتابة.
وأشار إلى أول صدمة واجهته، قائلًا: “إذا أردت أن تكون صحفيًا، ينبغي أن تتوفر لديك مُقوّمات المهارة الصّحفية، وهي الرَّكض الصَّحفي، وإعداد الأخبار والتَّقارير والتَّحقيقات التي تختلف بطبيعة الحال عن المقالات والخواطر والقصائد”، متابعًا: “لهذا اجتهدت كثيرًا في القراءة الصَّحفية، لإيماني الكبير بأنّ القراءة هي البوابة الأولى لأيّ عمل، وهي السَّبيل إلى التَّطور، إضافة إلى القدوة الحسنة، والنّموذج، الذي يُحتذى به للاستفادة من تجارب الآخرين، لهذا وضعتني المسافات، تحت ظلّ معلمين وزملاء، تعلمت منهم الكتابة الصّحفية، ومن أبرزهم محمد عبد الرحمن -سوداني الجنسية-، وخالد الشّيخ -سعودي الجنسية-، وشقيقه الأكبر شاكر الشَّيخ -رحمه الله-، ومدير التَّحرير حينها مطلق العنزي وغيرهم”.
واستطرد: “هؤلاء الذين حصلت منهم على توجيهات معينة في الكتابة الصّحفية، وشاءت الأقدار أن يكون مقر نشاطي، هو القسم الاقتصادي في جريدة اليوم، ومن هذا القسم نشأت علاقتي مع الصُّحف، وأصبحت أنشر ما أكتبه، وأتقاضى عليه مكافأة معينة”.
رغد العيش
وفي ذات الضّفة، أشار إلى أنَّه لم يحصل توفيق ليعمل مُوظفًا مُتفرغًا في جريدة اليوم، رُغم المُحاولات العديدة التي بذلها، فقرّر أن يجد خيارًا آخر يقتفي أثره، مبيّنًا أن الخيار جاء بعد وقت من التّفكير بأن يُواصل الدّراسة، فكانت البوصلة تتجه إلى معهد الإدارة العامة، لتتكلل سنوات دراسته بالحُصول على الشَّهادة في دبلوم المحاسبة التّجارية، وتتكرر مُعاناة الاستقرار الوظيفي، لهذا الشَّاب الطَّموح، حيث انتظر سنوات، ليظفر بوظيفة، ولكن جاءت الرّياح بما لا تشتهي السُّفن، حيث لم يجد وظيفة، يقتات منها رغد العيش، فقرّر الالتحاق بجامعة الملك عبدالعزيز للدّراسة في قسم اللّغة العربية على نظام الانتساب، ليحصل على شهادة البكالوريوس.
يقُول بعبرة الماضي الجميل برُغم الألم: “لم يحصل توفيق لأن أعمل مُوظفًا مُتفرغًا في جريدة اليوم، رغم المُحاولات العديدة التي بذلتها أنا وبعض الزُّملاء، لأسباب غير مقنعة بالنَّسبة لي، فقرّرت أن أجد لي خيارًا آخر، فواصلت الدّراسة على أمل أن أجد فرصة وظيفية في أي مكان، وكان خياري البُنوك، أو الدّوائر الحُكومية، وكلاهما لم أجد نصيبي فيهما، وكانت عملية التَّوظيف في تلك الفترة موضع ملاحظة بسبب الظُّروف الاقتصادية، فبقيت محررًا صحفيًا “مُتعاونًا” أتقاضى مُكافأة حسب الإنتاج، دون أي ميزات وظيفية، كالإجازات السَّنوية، أو العلاوات، أو التَّأمين الصّحي والاجتماعي”.
وسرد ثلاثة مواقف، وهي؛ الدّراسة في معهد الإدارة، والعمل في جريدة اليوم، والدّراسة في جامعة الملك عبدالعزيز، مُوضحًا أنَّ الأولى قد صقلت لديه موهبة الحديث باللّغة الإنجليزية، ونمّت معارفه في المجال الاقتصادي بحكم أن التَّخصص هو المُحاسبة التّجارية التي تتحدث عن الشَّأن المالي في الشَّركات، والبُنوك، والمصانع وما شابه ذلك، وكانت عونًا له في حياته الصَّحفية الاقتصادية، لأنّه لم ينقطع عن الصَّحافة، حتى لو لم يتوظف -بحسب قوله-، والثَّانية صقلت موهبته في الكتابة الصَّحفية وتحديدًا في التَّقرير والتَّحقيق والحوار، فكان يجلب كلّ يوم تقريرًا عن أحد الأسواق في الدّمام والخبر والقطيف، ونمَّت لديه موهبة القصة الخبرية، وكتابة الخبر الصَّحفي على نمط القصة التي باتت طريقة الصُّحف والمجلات في الوقت الحاضر، وهي التي تألق فيها منذ العام 1998م، أما الثَّالثة فقد أصقلت لديه حُب اللّغة العربية، وألزمته على دراسة العروض، وقراءة القُصص والرّوايات، والوقوف على المدارس النَّقدية، فنمّت في بستانه الكتابة الأدبية، وتحديدًا في الشّعر والقصة والرّواية، فكانت خير داعم لموهبته الأولى، حيث تلاقت الموهبة مع الدراسة.
غُرفة الشَّرقية
شاءت الأقدار أن يلتحق العيد بالعمل في غُرفة الشَّرقية، وتحديدًا في إدارة الإعلام والنَّشر، فعمل في مُجلة الاقتصاد، وكان مُساهمًا في نشر اسم الغُرفة في المحافل الرَّسمية والاجتماعية، عبر نشر أخبارها، بعد إعدادها، مما زاد خبرته في الكتابة الصَّحفية في المسار الاقتصادي بالتَّحديد.
ووصف العمل في غُرفة الشَّرقية، وتحديدًا في إدارة الإعلام، أنه يتعدى العمل الرُّوتيني اليومي، فمن يعمل في هذه المُنشأة يجد نفسه في مدرسة يتعلّم منها كلّ يوم شيئًا جديدًا، مُشيرًا إلى أنَّه حضر العشرات من النَّدوات والمُحاضرات، وورش العمل والاجتماعات، حيث جاء حُضوره لصياغة مادة صحفية صالحة للنَّشر عنها، والتي من الضرورة بمكان، أنَّه استفاد الشَّيء الكثير بهذا الحُضور، الذي يلتقط فيه كلّ راغب في التَّعلم المعلومة، أيًا كان الفضاء، الذي تُحلق فيه.
ولفت إلى أنَّه كان يعمل بشكل مُتوازٍ في جريدة اليوم، كمُحرر مُتعاون بالقّطعة، وبالدَّوام الجُزئي، وفي غُرفة الشَّرقية، وخلال تلك الفترة تمَّ إطلاق المُلحق الاقتصادي اليومي في الجريدة، ليكون -العيد- واحدًا من المُساهمين فيه، مُشرفًا على صفحة العقار لمُدَّة ثلاث سنوات، بواقع صفحتين، تحتضنها الصَّفحة مرتين في الأسبوع.
وبيّن أنَّ العمل في هذا الشَّأن جعل منّه صحفيًا شبه مُختص في القطاع الاقتصادي، سواء في السُّوق الاستهلاكي، أو النَّشاط العقاري، أو في الصّناعة والزّراعة، أو في الموارد البشرية، لافتًا إلى أنَّه رغم كلّ هذا لم يتخلّ عن الشَّعر، مؤكدًا أن كلّ يوم يمرُّ كانت الموهبة تتأصل بين أصابعه وفكره، يُعتقها بالخُبرة.
وأكد أنَّ هناك ظُروفًا واجهته، أدَّت إلى أن ينتقل إلى جريدة الوطن، وذلك بعد قصّة خبر نشرته الجريدة اعتبرته الغُرفة مسيئًا لها، وتم توجيه التُّهمة للعيد بأنَّه وراء الخبر، فكانت النَّتيجة أنه ابتعد عن جريدة اليوم، وانتقل إلى جريدة الوطن التي كانت للتَّو قد صدرت، عبر مديره في الغُرفة، ومُدير مكتب الجريدة في الدَّمام، وأيضًا قصي البدران، والذي كان سببًا -كما أفاد- في التحاقه بالعمل في الغُرفة، وعمل فيها بضع سنوات، كانت -كما يقُول- مليئة بالإحباط لديه، فلم يستمر طويلًا حتى ترك العمل الصَّحفي اليومي، خاصة بعد حدوث تغييرات جذرية على مكتب الوطن، واقتصر نشاطه على العمل في الغُرفة من خلال مجلة الاقتصاد، والأخبار اليومية، وبعد ذلك صدرت نشرة روابط الدَّاخلية، وكان من ضمن العاملين فيها.
مجلة الخط
يُشير العيد إلى أنَّه بعد هذه التَّجربة الطويلة، وبعد التَّنقلات هُنا وهُناك، وما اجتاحت طريقه من مُشكلات وتحديات، التقى ذات ربيع من رعشة الكلمات فؤاد بن عبد الواحد نصر الله، الذي عرض عليه العمل معه في مُجلة الخط، ليجد نفسه أمام تجربة جديدة، سيخرج منها حتمًا بما لذ وطاب من الخبرة العملية، فاستجاب إليه وكلّه عنفوان لخوض هذا المُعترك الجديد فعمل في المُجلة قرابة الخمس سنوات.
وصف العيد تجربته في مجلة الخط بأنَّها تختلف عن التَّجارب الأخرى؛ فقد عمل فيها مُديرًا للتحرير بعد أن قطع شوطًا في هذا الشَّأن، ولم يعد بحاجة إلى التَّعليم أو أخذ الدُّروس، لكنّه سار بالتَّنسيق مع الزَّميل نصر الله على إعداد الحوارات الصَّحفية، متحدثًا عن تلك التَّجربة مُبتسمًا بعنفوان الرّضا: “حقًا، كانت تجربة ثرية، ويكفي أنَّ لديَّ 150 حوارًا صحفيًا من القطيف فقط، تمَّ نشرها في المُجلة”.
ونوه بأنه تأكد له -بما لا يقبل الشَّك- أنَّ القطيف عامرة بالكفاءات، ولّادة للمُبدعين في شتى المجالات، ويجب تجاوز بعض التَّحديات، ليكونوا رقمًا فاعلًا، ومهمًا في خدمة الوطن الكريم المعطاء، بصورة أفضل.
20 عامًا
وكان للعمل التَّطوعي في حياة العيد حكايته، فبرغم أنَّ الصَّحافة، هي مهنة، يبتغي منها الإنسان الرَّزق الحلال، لكن الخبرة الصَّحفية، يُمكن أن تُجند لخدمة الأعمال التَّطوعية العامة، وهذا ما جرى له فعلًا، فعن ذلك حكى أنه عمل مع دورة كافل اليتيم الرّياضية، التَّابعة لجمعية تاروت الخيرية للخدمات الاجتماعية لأكثر من 20 عامًا رئيسًا للّجنة الإعلامية، ورغم أن الجانب العطائي فيها هو الأبرز، إلّا أنَّها لم تخل من فوائد يحصل عليها كلّ من يعمل، ليس طلبًا للثواب من المولى جل شأنه فقط، بل إنَّ المُشاركة في الأعمال التَّطوعية، هي بحد ذاتها قيمة مُضافة، تُشعر الإنسان بدوره في هذه الحياة، متابعًا: “فمن خلال المُشاركة في هذه الدّورة مارست كافة مهاراتي الأدبية والصَّحفية من خلال نشرة يومية تصدر بمُناسبة الدَّورة، ومن خلال هذه النَّشرة أخذت درسًا عمليًا في كيفية مُواجهة الضُّغوط، وتشكيل فريق عمل، وإدارة هذا الفريق بكفاءة، هذا فضلًا عن جُملة من الهدايا المعنوية والمادية، التي حصلت عليها جُرّاء هذه المُشاركة”.
وأكمل: “لقد أجريت اختبارًا لنفسي، لأرى ما إذا كنت أستطيع الكتابة اليومية، أم لا، فاجتزت الاختبار بنجاح، فكنت طوال شهر كامل أعد مقالة للنَّشر في الرّسالة اليومية عن الدَّورة، فضلًا عن إعداد التَّقارير، والمُقابلات المُختلفة، مع بعض الزُّملاء الذين تتلمذوا من خلال العمل في النشرة، فصاروا صحفيين يُشار لهم بالبنان”.
وأضاف: “لعلَّ من فوائد هذه المُشاركة أنَّني اكتسبت طريقة تحرير الخبر الرّياضي، ومهارة تحرير الخبر الاجتماعي الخيري، وهذا يُعد إضافة لما كنت أملكه من مهارات العمل الصَّحفي، التي اكتسبتها من خلال العمل في اليوم والوطن والاقتصاد”.
تأثيث اللُّغة
كانت موهبة الشعر موجودة لدى العيد مُنذ زمن، قبل أن يلتحق بالصَّحافة، والعمل في المُؤسسات الصَّحفية، وذكر أنه كان يتعاهدها، ويسعى قدر جُهده لصقلها، ورفع مستواها، فقام بعدة خطوات في هذا الجانب، وهذه الخطوات هي؛ قراءة الشّعر بتذوق، وحفظ ما يتيسر له حفظه، لأنه في فترة من فترات حياته كان يتطلع لأن يكون خطيبًا، يرتقي أعواد المنابر الحُسينية.
واسترسل: “قرأت الكثير من الشّعر الجاهلي والإسلامي والأموي والعباسي والحديث، وفي كلّ يوم أقرأ لي بضعة أبيات، وبعضها يرسخ بذهني دون أن أتعمد ذلك، وبعضها كنت ملزمًا بحفظها خاصة في فترات الدّراسة من المرحلة الابتدائية وحتى الجامعية، ففي الجامعة ـ على سبيل المثال ـ كنَّا مُلزمين بحفظ بعض المقطوعات حسب العصر، فحفظنا ـ ملزمين ـ مقاطع من المُعلقات العربية كلّها، ثمَّ لشُعراء العصور التَّالية: الإسلامي، والأموي، والعباسي بمُختلف فصوله، ثمَّ العصر الأندلسي وغير ذلك.
وعن الشُّعراء، الذين لا استغناء عن الجلوس في بهو مشاعرهم، يقُول: “يُطربني شعر أبي نواس وقيس بن الملوح، ونزار قباني، وعبدالله البردوني، ومن بلادنا العزيزة أقرأ شعر الوالد السَّيد عدنان العوامي، وجاسم الصحيح، ومحمد الجلواح، والشَّيخ عبدالكريم آل زرع، وشفيق العبادي، وفي شعر التَّفعيلة اقرأ للشَّاعر نزار قباني، وفي الشَّعر الحُر، يُعجبني شعر الدّكتور على الدرورة، والمرحوم الثّبيتي، والشَّاعر علي الدّميني، والشَّاعر مُظفر النواب، وسعد عقل، وغيرهم”.
واعتاد حُضور الأمسيات الشّعرية في أي مكان كانت، وقام بدراسة علم العروض، حيث تسنّى له ذلك في جامعة الملك عبدالعزيز، وكذلك مُمارسة النَّظم في أي وقت، وصار لديه عدد من المجموعات الشّعرية، صدر منها ديوان “العاشق العذري”، والاستفادة من خُبرات الشُّعراء السَّابقين، وكان أبرز من استفاد منهم، الوالد السَّيد عدنان العوامي، الذي أرشده إلى مُلاحظات جديرة، ما زال يستفيد منها، وصار يرشد الآخرين إليها، فقد اطلع على شعره، وأعطاه توجيهات لا غنى لأي شاعر عن معرفتها، بل أكد أنه يجزم أنَّه خلال دراسته لعروض الشّعر لم يلتفت لها.
وعن اتجاهاته الشّعرية، أفاد بأنَّه يكتب الشّعر العامودي بلغته الحديثة، وشعر التَّفعيلة، والشّعر الشَّعبي، وأنه له مُحاولات في قصيدة النَّثر، لكنّه لم يستطع النَّجاح فيها، لا لشيء إلا لوجود مواصفات معينة لم يستطع أن يوفّرها -كما يقول.
الصَّحافة والأدب
أن تكتب في اتجاهين نقطة الاشتراك بينهما قد تكون ضئيلة نوعًا ما، وقد تلتقيان بحسب ما يتمتع به الكاتب من تقنية تُخوله إلى المزج بينهما، وفي هذا الأمر، يُبين العيد المُفارقة بينهما، وكيف استطاع أن يُوفق يراعه بينهما، ليُمارس الاتجاهين، كما يشتهي أن يكون، وقال: “إنَّ الكتابة الصَّحفية، تجعل الكاتب محكومًا بتوجهات الوسيلة التي ينشر فيها، فهي تقبل أو ترفض المُنتج الكتابي للكاتب، وقد تنشر وتتصرف ببعض الجُمل والفقرات، وتطاله يد الرقيب فتختصر، أو تُلغى، أو يتم تطوير المنتج ومعالجته، وتتفاوت نسبة المعالجة، حسب التوجه العام للمُؤسسة الصحفية”.
وأوضح العيد أنه لا يحق -في الغالب- للمُحرر الصَّحفي الاعتراض، فذلك خاضع إلى آلية الجهة الإعلامية، ذلك بخلاف الكتابة الأدبية التي بها الأبواب مفتوحة والمساحات واسعة، وفي أي وقت ينشر، وفي أي وقت يتوقف، فلا رقيب على الكاتب سوى نفسه.
وبيَّن أن في الكتابة الصَّحفية العاطفة لا يكون لها تدخل أو مكان؛ لتأتي المادة مُجردة منها، وهذا الأمر من أبجديات العمل الصَّحفي، بخلاف الكتابة الأدبية، فإنَّها تختزل الحالة العاطفية، التي يصُبّها الفنان على الحدث، فتتأثر العملية بما يحمل من عواطف شخصية.
ولفت إلى أن الكتابة الأدبية تأخذ صورتي “النَّثر والشّعر”، وبينهما نقطة التقاء، هي العاطفة، وبُروز الشَّخصية، والتَّركيز على الشَّكل للوصول إلى الفكرة، ويعتمد الصُّور والتَّشبيهات والاستعارات.
وألمح إلى أنَّ المسألة تتفاوت حسب المضمون؛ فالكتابة عن الشَّأن الاجتماعي، تختلف عن الرياضي، أو الاقتصادي، والنَّثر له أشكال معينة، كالخاطرة، والقصة، والرواية، والمقالة، والبحث، والشّعر له أشكاله العامودي، والتَّفعيلة والحُر.
وفي الظلّ، وعبر مُشاكسة حوارية، أجاب عن سُؤال، مفاده: ألم تقضِ الصَّحافة على الموهبة الشّعرية؟ وقال: إنَّها كادت أن تقضي على هذه الموهبة الجميلة، ولكنَّ ظُروفًا مُعينة أعادتني إلى جادة الصَّواب، وهي وفاة صديقي الشَّيخ حسين آل الشيخ من بلدة العوامية، أعادتني لكتابة الشّعر، وبقيت أنظمه إلى اليوم”.
القصة والرّواية
يقُول العيد: “قد كنت عازفًا عن هذا النَّوع من الكتابة، لكنّي مع الزَّمن، والمُطالعة، ومُشاهدة الأفلام، والمُسلسلات، والمسرحيات، وبفعل مُقرّرات الجامعة، وجدت نفسي قادرًا على إعداد قصة مُعينة، فمارست هذا الدّور، وصدرت لي حتى الآن 6 روايات، وفي الطَّريق عدد آخر”.
وأفصح عن أنه حينما لجأ إلى هذا النَّوع من الكتابة، كان يريد أن يضع خطة لواقع ما بعد التَّقاعد، بحيث يكون جاهزًا لعمل يقضي فيه وقته بشكل مُفيد، وهو القراءة والكتابة، وليس أفضل من كتابة القصص والرّوايات، ورسالته أن يقدم رواية جادة، بعيدة عن الإسفاف اللّفظي، والعك الكلامي، والفُحش في التَّصويرات.
والضَّحية المرأة
أصدر الشَّاعر والروائي سلمان العيد سبع روايات أدبية، جاء آخرها روايته “عذراء في زمن الغدر”، وباقي الروايات هي: رواية التاروتي والسَّبع صنايع، ومواقف تعانق الزمن، ومفلسون في عصر الذَّهب، وخيوط الأمل المفقود، وحوار في عرض البحر، ولؤلؤة الرَّماد، والسُّوسنة التي أجهضت الآمال، وعذراء في زمن الغدر، وجميعها، تحكي قصصًا استمدها من الواقع، ليُترجمها من خلال النَّبض الرّوائي، وما يستدعيه من كسوته بالخيال، ووضع ملامح لا تُشير واقعيًا إلى الحدث بعينه، ليكون للَّغة الأدبية، والتَّصورات مجالها، الذي اتبعه في منحه لها اللّباس الذي أراده.
وسلَّط العيد في روايته السَّابعة “عذراء في زمن الغدر”، الصَّادرة عن دار ريادة للنشر، التي جاءت في 162 صفحة من الحجم المُتوسط؛ “الفوكس” على المرأة، التي تكون ضحية الغدر، استكمالًا لمنهجه في كتابة الرّواية، وعن فكرتها يقول العيد بأنها تُشير إلى بعض حالات الاختطاف التي تحدث في المزارع للمرأة، لتتعرض إلى الأذى النَّفسي والجسدي، ليحدث الصراع بعد الجريمة ما بين الشَّرف والقانون، لتجيء تباعًا الحالة السَّردية من خلال تبيان وجهات النَّظر، وصولًا إلى ما يستبطنه الكاتب من مُعالجة، يبثها كصراع، يشتدُّ تفاعلًا عبر شُخوصها، لمُعالجة مثل هذه الحادثة، التي تحدث في المُجتمعات باختلاف بيئاتها، وألوانها، وثقافاتها.
المُلهم الواقع
ذكر العيد أن جميع إصداراته السَّابقة كلّها تتناول قُصصًا واقعية، ويسعى إلى تغليفها، وتغيير بعض الملامح، وإضافة البعض الآخر، ليبتعد عن ردة فعل المُجتمع التي وصفها بالقاسية، مُشيرًا إلى أن مواضيع إصداره “عذراء في زمن الغدر” مُستمدة من قصص الاختطاف، التي جرت في بعض المزارع.
ونوه بأنَّ المواضيع التي يحتضنها الإصدار عديدة، منها: علاقتنا برجال الدّين، مُتخذا تقنية السُّؤال للوصول إلى الإجابة، ومن هذه الأسئلة: هل كلّ شيء ينبغي أن نأخذه منهم؟ وهل لهم سلطة زمنية في كلّ شيء؟ وهل كلّ ما يصدر عنهم هو الحق أم يُمكننا النَّقاش حوله؟
التَّحطيم بالنَّقد
وقيّم العيد المُستوى الشّعري والأدبي في القطيف، المعني بالإصدارات في زاويتها الهشة، وتأثيرها على المُنتج إبداعًا بأنه يرى أن عالم الشّعر في القطيف يتمتع بالجمالية، والوفرة والتنوع، مؤكدًا أنَّ هناك نماذج من الشُّعراء مُميزون من مُختلف الأشكال، وكل ما يصدر عنهم يتسم بالجودة من شتى النواحي، قائلًا: “إن البعض -للأسف- يتجه في -بعض الأحيان- إلى الصّور الشَّكلية على حساب المضمون، المطلوب تداوله، في حين أن المطلوب المزج في القوة بين المعنى والمبنى.
وبلغة الأسف، يرى العيد أنَّه في القطيف تُوجد عناصر سلبية تُمارس التَّحطيم باسم النَّقد، مُبينًا أنَّ النَّقد علم جميل، ومن يُمارسه إنسان راق بالضَّرورة، داعيًا إلى مُمارسة النَّقد الذي يتسم بالثَّقافة النَّقدية لقطف ثماره على المُنجز الشّعري والأدبي.
وأردف بقوله: “لقد رأينا المدارس النَّقدية تميل إلى رصد الجمالية في المُنتج، ومُعالجة النَّواقص بالتي هي أحسن، بعيدًا عن لغة التَّحطيم، وما ينطوي عليه من مُفردات غير لائقة، والأغرب في هذا المجال أننا وجدنا من يتحدث بأنَّ لا أدب ولا أدباء ولا شعر ولا شُعراء في القطيف”.
وذكر في كلمته، التي تحمل في سلّة حُروفها رسالة ضمنية، يُوجهها لكلّ قارئ، بأن يحترم ما يُقدم من مُنجز، وقال: لنُقدر عمل كلّ مُبدع، حتى لو كان مُتواضعًا”.