هل هي مناسبة اجتماعية فقط؟

ما أنْ تتحدث عن الأم يفلتْ منك ذلك الإنسان المنبعث من أعماق قلبك، وتنتقل معه من مشهد إلى آخر، يطوف بك في عالم أمّك، وآفاقها الشاسعة؛ فتنقاد لك الكلمات بأجمل لحن.

تُطرب من يسمعك، وأنت تتحدث عن روح خرجْتَ منها، وجسد يخفي جسدًا بين أحضانه خوفًا عليه وحبًّا له.

في كلّ عام عندما يحتفل الجميع بعيد الأم لا بد أن يصادفك أحدهم، يتهكّم بشكل أو بآخر ممن يصدرون الأحكام الجماعية فيتصدى لجميع المشاعر، ويبحر في قلوب الآخرين مدّعيا معرفة ما يشعر به الناس تجاه أمهاتهم وما تحوي قلوبهم من مشاعر؛ ليراهنهم بمحبتهم الحقيقية لأمهاتهم، وبأنهم لا يعرفون معنى الأم إلّا في هذا اليوم بينما يغرقون في العقوق طوال العام.

فمهما بلغ من الإجحاف بحقوق الأمهات لا يوجد ما يمنع من احتفالك بعيد الأم، وإظهار سعادتك به؛ فقد يكون ذلك تنبيهًا لأحد الغافلين، أو ربما يذكّر أحد الناسين بحقوق قد دُفنت؛ فدفعتهم مناسبة اجتماعية لإحيائها، أو قد يكون إطلاقًا لبداية جديدة، وفتح صفحة بيضاء من الحبّ، والتقدير لهذه الأم المسكينة.

إنّ في إشفاقك على والديك منظومة جميلة قد تختار من خلالها لأبنائك طريقًا غير طريقك؛ فيسعدون قلبكَ يومًا ما؛ عندها سوف يعلو رصيدك من البرّ والإحسان.

إن للأمهات بطولات يرويها تاريخ الأبناء، وفيها بيان مشرق يسمو فوق سوامق الإنسانية، وكلما تقادمت العهود عاد بنا الشوق إليها لنرويها بطرق مختلفة، وروايات متعددة، ومختلفة الأحداث.

‏فبين الحين والآخر أتذكر عندما عدتُ من عملي كانتْ أمي واقفة بالباب تنتظرني، وهي تبكي فوجئت بها ممسكة ولدي بين يديها وهي تقول: احترق ابنك بالماء الحار وأنا أُحممه.

عندما رأيت دموع أمي وابني يتألم بين يديها قلتُ لها: هوّني عليك يا أمي سوف يكون بخير بإذن الله، لقد كبر ابني وأصبح شابًا وما زلنا نتذكر سويّا هذه القصة.

وتظلّ الأم تساهم في رسم صور أبنائها، وتخرجهم للمجتمع بأجمل حلّة.

يقول أشهر جراح للدماغ في العالم: إن نقطة التحول في حياتي كانت يوم أغلقت أمي التلفاز، وأجبرتني على القراءة!
لا حرمكم الله حنان أمهاتكم، وطابت أيامكم بأعيادهنّ.



error: المحتوي محمي