في رحيل والدتي التي اختارها الله في ذي الحجة ١٤٤٠ هـ
لكَ اللهُ يا قلبي فكم ترتقي الصَعبا
وكمْ تصطلي نَاراً مؤججةً حُبَّا
وذي كبدي حرّى فلا الدَمّعُ ساجِمَاً
يبرِّدُ في الأحشاءِ مُضطَرِمَاً شَبّا..
أبلُّ من الأَحدَاقِ روضاً ثوى به
أعز الذي من كان في أفقي سُحْبا..
وما حِيلتي حتى أُُواري أَحبَتي
وأحسبُ أنِّي لم أَزلْ من ذوي القُربى
أنا العَاشقُ الهيمانُ في محضرِ الهوى
فكيف إذا بانوا ولا بُعدَ لا قُربَا
إذا طوت الأَجسادَ أرضٌ فليتنا
نَرى غير ذاك الرمس ملتحفاً تُربا..
وليتَ اصطباري من فِراقِ أحبتي
يخففُ من وجدي ويُجلي لي اللّبّا..
ولكنني يا ساعدِ الله مهجتي
أرى غُصصي تَنزاحُ من لاعجي غَصْبَا
لقد كنتُ ظمآنا لريّا فؤادها
وها أنا في الأشجانِ منتشياً شُربا..
هي الأمُ اغلى ما وهبت وطيفها
لكالظلِ إن أرخى أو العطرِ إن هبَّا..
تظلُ بروحي كالندى يردفُ الندى
يداعبُ ذاك الوردَ او ذلك العُشبا..
وكنت أرى فيها أهيلي ورفقتي
فلما مضت لا خِدْنَ لا اهلَ لا صحبا..
فوا أسفا؛ ما صرت اغفو بحضنها
وواحسرتا؛ ما عدت احتضنُ القَلبَا..
ولكنّها أضحت مع النَفَسِ الذي
تَجدَّدُ فيه الوجد ممتشقاً كَرْبَا..
أراها معي، ما غابَ طيفْ خيالها
فأنسامها في الروحِ تجذبني جَذبا
أراها معي في كلِّ حسٍ وخَلجةٍ
ملاكاً يناجي يسكنُ العينَ والهُدبا..
وحيداً وانيابُ المنونِ تحوطوني
وإن كنتُ في الأفراحِ متخذاً درْبَا..
فقدتُك يا أماهُ فاظلمّت الدنا
وما عاد أفقُ الصبرِ في ناظري رحبا
لقد كُنتِ لي كهفاً وعزاً ومِنعة
وذخراً فلا والله لم أعرفِ الصعبا
حبيبةَ قلبي لم يعد غير جذوةٍ
بروحي فقدتُ النبعَ والمنهلَ العذبا
حببتك كالصادي إلى الكوثر الذي
ترقرق فيه الماءُ منسكباً سكبا..
وان كان لي ذنبٌ باني مولّه
فدونَك يا قلباهُ فلتغفر الذنبا
هبيني جناحاً يا ملاكي الذي به
أطيرُ فلولا ذاك لا أتقنُ الوثْبَا..
دعيني أُجلْ فيكِ الجمالَ حبيبتي
فإن كلّ حرفي في الهوى فلكِ العُتبى..
فذا جرحي الدامي بنزف شُجُونِه
سيمضي معي في العمرِ يعصرني حُقبا
إلى أن أراها في الجنان ونلتقي
فيخضل منها العود منتعشاٌ رطبا
هي الأم عنوان السعادة والهنا
فإن رحلت لم تهن فيك “لك العقبى”..