علاقة أتت أكلها بعد 7 سنين.. «التين» ينقل اسم ماجد العلي من الجش إلى فيتنام.. عمّر إرث والده وسوّق لثمره على اليوتيوب

أن تنشأ في أرض”الجش”؛ فأنت لا تملكُ إلا أن تكونَ جذوركَ من الأرض وفيها، وأن ترتبط سنيّ حياتك منذُ الطفولة بالخضرة، وجمال الطبيعة، وسكونها، ودُخان المزارع، وعبق الأرض، وهذا هو حال ماجد عبد العزيز العلي، فكما الزرع يتشبّث بجذورهِ الضاربة بالأرض فيصعبُ قلعها، تمسّك العلي بحرفة الخير، والعطاء التي ورثها حبًا عن أبيه، وما درى أنّه من بين كل الأشجار التي زرعها ستختاره نبتة التين الحلوة لتعقدُ علاقتها المختلفة، والحلوة معهُ؛ وتبادلهُ الحبّ أضعافًا بعد أن وثقَ بها، وأعطاها من وقتهِ، وجهدهِ، واهتمامهِ الكثير.

فمنذُ سبع سنوات إلى الآن، وماجد العلي ينتجُ ويكاثرُ في شجر التين، بل ويصدّرهُ إلى أغلب دول العالم العربي، والأجنبي، ويسوّق لمنتوجهِ منها، ويسقي من علمهِ، وتجاربهِ المتعطشين، والمهتمين بزراعة التين عبر قناة خاصة، وكبيرة له على اليوتيوب.

جمالٌ لا يُمحى
“كانت أيامًا لا تُنسى أبدًا، ولن يُمحَى جمالها من ذاكرتي ما حييت”
بهذه الكلمات بدأ العلي حديثهُ لـ «لقطيف اليوم» حول بداياتهِ مع الزراعة فقال: “حكايتي مع الأرض، والخضرة، والجمال تعودُ للطفولة، كنتُ لا أستغني أبدًا عن الجلوس في المزارع، والذهاب إليها بصورة يومية مرافقًا أبي، وإخواني، رحلة تبدأ حينما يدلع الصباح الباكر لسانهُ للدنيا، ولا تنتهي إلا بغروب الشمس”.

وأضاف: أحببتُ هذهِ الحرفة المباركة وتعلّقتُ بعالمها الأخضر، لأنّ عمل المزارع متفردٌ عن العمل في أي مجالٍ آخر؛ فالأنفس الطيبة وحبّ العمل، والأرض عند المزراعين يجعلُ عملهم مختلفًا، ويوصفُ بالحرفية، والجدية والإتقان وحبّ التطوير يومًا بعد يوم رغم كل عنائهِ وتعبه، وهذا ما أكسبتني إيّاهُ الأرض منذُ صغري”.

الحُبّ دافع
علاقة العلي مع شجرة التين قديمةٌ جدًا، تأرّخت بعد وفاة والدهِ رحمهُ الله؛ فقد كانت المزرعة شبه مهملة، وبحاجةٍ إليه وإخوته؛ فأجمعوا أمرهم على الاهتمام بها وزراعتها، وتعديلها، وبدأت مهمتهم معًا في انتقاء ما سيزرعونهُ فيها من شجر، واُختيرت شجرة التين لتكون واحدة من أشجار هذه المزرعة.

أثمرت هذهِ الشجرة بثمارها الحلوة المحببة للجميع، وأثمرت معها حبًا مختلفًا لماجد من بين بقية أشقائه نظير اهتمامهِ وعنايتهِ بها، فكانت ثمارها وفيرةً جدًا جدًا، وكلّما زدات وفرة إنتاجها تعلّق بها أكثر، فأصبحت شجرتهُ المفضلة التي يثقُ بها وتثقُ به.

امتنانٌ ودَيْن
قد تبدو علاقة العلي مع أشجار التين بالخصوص غريبة عند البعض، لكنّها عندهُ علاقة وطيدة لا غرابة فيها مطلقًا؛ فالعطاء المتبادل بينهُ وبينها يجعلهُ مرتبطًا بهذهِ الفاكهة، عاشقًا وملمًا بكلّ أنواعها، فشغفهُ بهذهِ الشجرة مردّهُ الامتنان، فهو يشعرُ دومًا أنّهُ مدينًا لها؛ لأنها علّمتهُ العطاء والثقة والاهتمام وأكسبتهُ الرزق الحلال الوفير.

إضاءة فكرة
وعن التجارة بشجرة التين، والتصدير لدول العالم من إنتاجهِ قال العلي: انبثقت لديّ فكرة التجارة بشجرة التين قبل سبع سنوات تقريبًا، وكنتُ حينها مقتصرًا على بيع أشجار التين في منطقتي، والمناطق القريبة؛ لكنّ الفكرة أضاءت مصباحها بعقلي، حينما رأيت تعلّق الكثير من الناس بهذه الشجرة، ومحبتهم لحلاوة طعهما، وتميّزها، وكذلك استحسانهم للنوعيات المتوفرة لديّ بغزارة، فعقدتُ عزمي على تنفيذ فكرتي على أرض الواقع، وزاولتُ عملي الحرّ بالتجارة المحلية، والخارجية في شجر التين بأشجارهِ الموجودة، والنادرة منها.

قرية كونية
التقط العلي بكاميرا هاتفهِ النقال الكثير من الصور المحفوظة، وسجّل الأكثر من مقاطع الفيديو لمزرعته ولأية مزرعةٍ كان يزورها، مما دعا أحد أصدقائه لنصحهِ بعمل قناة خاصة لهُ على اليوتيوب.

استجاب بعدها لهذا النصح، فافتتح قناتهُ في عالم القرية الكونية، وسوّق التين من خلالها إلى جميع أنحاء العالم، بعمل فيديوهات، وبثها للناس منوعًا إيّاها ما بين التسويقية والعلمية، واستطاع من خلالها تحقيق الكثير من المشاهدات، وضمّنها كذلك مقاطع مرئية لهواياتهِ الأخرى المتمثلة في اقتناء الطيور النادرة، وتربية الأغنام.

السوري والأسباني
يملك العلي مشتلًا خاصًا بهِ في بلدتهِ الجش، ويمتلكُ كذلك مشتلًا آخر في مزارع غرب المطار، وهو مخصّص لبيع الكميات الكبيرة جدًا من هذهِ الشجرة.

وتتعدّد أنواع التين الذي يعتمدهُ العلي للتصدير ما بين: التين الأسباني الأصفر، والسوري جاسم، والأسباني الأخضر، والبراون التركي، وبالرغم من دخول أصناف جديدة، وكثيرة للتين في المنطقة إلا أنه لا يفضّل إلا أشهر الأصناف المثمرة التي نجح بها.

من الخليج لفيتنام
استطاع بمثابرتهِ وإصرارهِ، وسمعتهِ الطيبة في مجاله أن يصدّر التين الذي اشتهرَ بهِ للكثير من دول العالم العربي، والأجنبي؛ ليخرج التين من أرض الجش، ويغادرها إلى دول الخليج، والعراق، ولبنان، وسوريا، والأردن، وليبيا، والمغرب، وتونس، وتعداها للغرب فوصل لفيتنام، وإنجلترا، وألمانيا، والولايات المتحدة الأمريكية، ودولٌ أخرى لم يصادفها الحظ رغم طلبها؛ نظرًا لكثرة الطلب.

ثلاثة وثلاثة
تحتاجُ فاكهة التين عنايةً من صاحبها من غسلٍ دائم، ورشٍ للمبيدات الآمنة، وكذلك التسميد المستمر، والتقليم الممتاز في وقته، ومحاولة تجاوز جميع الأمراض التي تعتريها وخاصة ديدان “النيماتودا”.

والتين من الأشجار التي تستلزم ثلاثة أشهر لتربيتها، وثلاثة أشهر أخرى لتنضج ثمارها، ويستمتع الناس بعد ذلك بحلاوة طعمها على مدار السنة.

أمنية مُحّب
تمنى العلي من وزارة الزراعة، والمسؤولين فيها توفير، وتسهيل اليد العاملة للمزارع؛ فالزراعة تحتاج جهدًا، وتعبًا وعناء طويلًا؛ كي تردّ وتمنح المزارع ثمار جهدهِ وتعبه، لا سيّما في هذهِ الأوضاع التي يُشتكى فيها من نقص العمالة الزراعية، وزيادة، وارتفاع أسعار السلع الزراعية، ممّا يجعل المزارع مديونًا آخر العام.

ابنُ الجش
يرتبط ابن البلدة بقريتهِ الجش ارتباطًا روحيًا وثيقًا؛ يجعل من ذلك الحلم يسكنهُ دومًا في تحقيق عملٍ خاص متميّز يثمرُ من خلاله حبّهِ لوطنه الكبير المملكة العربية السعودية، ويرتبط بذكرهِ ببلدته.

خلاصة حلوة
يقدّم العلي خلاصة تجاربهِ لكل شاب بأن يكون الطموح وقوده اليومي، وأن يفكّر جيدًا في نفسهِ وعمله، ويبرز مهاراتهِ التجارية، والفكرية، وأن يبعث في داخله الأمل؛ فلا نجاحَ يتحقق إلا به، ومهما تعثّر بحصى الفشل؛ فالتكرار حتمًا سيصل بهِ للنجاح، فالسقوط ليس عيبًا، إنّما العيب هو الاستمرار في السقوط، أما النجاح فسوف يأتي لك مهما تأخر مادمتَ مصرًا على عملك.




error: المحتوي محمي