
أحيي المرأة في يومها العالمي، مع انحناءة خاصة لها، وإهداء متواضع خاص بمقالي للجميع هنا؛ حيث صادف أمس الذكرى العاشرة لرحيل أمي، فقد رحلت في السابع من هذا الشهر، وقررت أن أكتب عنها شيئًا.
كثيرًا ما يسألونني هل أنا أشبه أمي! وليتني مثلها ولو بالقليل من مزاياها، ولكن عندما ألمح نفسي أشعر بملامحها بي، نعم ملامح الوجه فقط؛ وعندما كنت أتأملها أستشف فيها الوجع الصامت الخفي الذي لا يخفى على من يعرفها، ويدرك سر وجعها الذي يحاكي السماء! وإن كانت أمي غير متعلمة إلا إنني تعلمت منها الكثير والكثير!.
هنا سأتجاوز قليلًا وسأمنحها غيابيًا لقب “أيقونة الصبر” دون تصفيق، هي ليست بحاجة لذلك، وإن كان متأخرًا حيث يقال، “القبلة على جبين الميت لا تجدي أبدًا”!.
أمي كانت تملك الصبر والرضا، لو تم توزيعه على الكون كله لبقي منه وفاض، ولعل البعض ممن لا يعرفونها تستوقفهم فكرتي، وعذري إنني أدرك سر ما يحتويه قلبها من حزن، وهم وقلق، وإن كانت تخفيه على استحياء.
غالبًا ما أجد نفسي متحفظة إذا ما أردت أن أكتب بشفافيتي المعهودة، عن بعض الخصوصية التي تستحق أن أقف عندها بحيادية، شاكرة للقراء احترام عمق مشاعري.
لقد رزق الله أمي أربعة أبناء فاقدي البصر، والحمد لله هذا هو قدرهم من الله، وكانت صابرة راضية لا حول لها ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وكنت أساعدها في شؤونهم، حيث كنت ألمحها بين حين وآخر، تتخذ ركنًا خفيًا، وغالبًا تنزوي فوق السطح بالصيف، حيث كنا ننام هناك وأسمع أنينها، ونحيبها وحدها، وهي تطالع السماء، هذه اللقطة الموجعة لا تفارقني، وتكاد أن تنقلني لأقدار السماء العادلة!
وتجعلني في حالة دهشة من قوة تحمل أمي لهكذا ابتلاء!نفسي أحضنك يا أمي، وأبارك لك هذا الابتلاء.
آآآه لصبرك يا أمي! تجعلينني أرى فيك الجمال بشتى أنواعه، كنت أتهجأ أوجاعك، وكأنني أعيش داخل نبضك، كيف لك أن تمتلكي هذه القدرة الممكنة من التحمل، والتوازن معًا!
لا أخفي دهشتي منذ سنوات ليست بالطويلة أُفاجأ أنني اكتشفت نفسي من خلالك، وحاليًا أتعلم قليلًا من مزاياك، وهذا سر سكوني، وشعوري بالطمأنينة، يا نبع الحنان والعطاء يا أمي، ولديك من الصبر في أعلى حدوده ودرجاته، أدين لك بفخري لصبرك؛ فأنت في يوم المرأة العالمي الاستثناء بلا حدود.
مهما كانت مشاعري، وعفويتي في الحديث عنك كالعطر أو كالمطر؛ فأنت تستحقين الأكثر يا فاطمة الحياة يا أمي.
تلك هي مشاعر، وحالة أمي الإنسانية، إنها لن تنسى نفسها، رغم الوجع الذي تسكنه، ورغم صعوبة المسؤولية التي تقوم بها، إلا إنها عرفت ماذا يجب أن تفعل في حياتها، ربما إنه لا يخص غيرها بشكل مباشر، ولكنها بالتأكيد حافظت على توازنها لتستمر في التعايش والتأقلم، والصبر، والشكر والحمد؛ هذه هي المرأة في شخص أمي!
كم امرأة تستطيع أن تصبر، وتشكر مع معاناتها، لتنال الجزاء من ربها، وتسجل بصمتها في الحياة كأمي فاطمة الحياة؟