زارني أستاذي السيد منير الخباز في بداية طلب العلم في النجف، وبالخصوص في مدرسة الآخوند الخراساني، فاعتبرت هذا شيئاً كبيراً، وكنت حينها أخمّن وأتوقع أنّ سبب زيارة السيد لي كان بتوصية خاصة من أحد أصدقائي في القطيف (ه-ق).
وكنت ألتقي بذلك الصديق الوفي المخلص قبل سفري لطلب العلم، فقد كان ذا ثقافة عالية في الأدبين العربي والإنجليزي، واسع الاطلاع في المعلومات العامة؛ لكثرة شغفه بالقراءة الحرّة وليست الدراسة الأكاديمية.
وأكثر ما أتذكره ونحن نتمشّى بشاطئ دارين لما عزمت على الذهاب لطلب العلم قلت له:
لم يَبْقَ غير أيام قليلة للسفر لطلب العلم، فزوّدني بنصيحة مهمّة تكون ذا فائدة كبيرة في حياتي.
فقال لي – وقد أوجز وأنصح -:
لا تكن طالب علم مستنسخ من طلب علم سابق.
مرّ ثلاثون عاماً وهذه الكلمة تجوس في ذاكرتي وتتمظهر في سلوكي.
أما زيارة السيد منير فقد استفدت منها كثيراً، ومن ضمن أسئلتي له:
ما رأيكم، هل يوجد في القطيف مجتهد في هذه الآونة أم لا يوجد؟
فأجابني حرفيًّا:
(خالي الشيخ حسين – العمران – فإنه ليس بعيد أن يكون مجتهداً).
أقول: سألت الشيخ حسين نفسه: كم سنة درستم بحث الخارج عند الأساتذة؟
فقال لي: سنتين فقط.
نعم، قليل من العلماء من يجتهد في هذه المدة، حتى في الحوزات العلمية.
وليعلم القارئ أنّ القطيف قبل مئة عام تسمّى النجف الصغرى؛ لكثرة المجتهدين في واحتها، ولكن قبل ثلاثين سنة لا يوجد في القطيف نفسها إلّا مجتهد واحد بحسب رأي السيد منير – وإن ادّعى بعضهم أكثر من ذلك -.
وفي الوقت الحالي زاد عدد المجتهدين في هذه الواحة، وهذا ما يدعو إلى الفخر والرفعة، ولكن ليلتفت القارئ من الخلط بين المجتهدين وبين من يدّعي الاجتهاد، حتى بات غير المتخصّصين من الناس لا يقدرون على فرزهما، فليعلم القارئ أنّ هذا هو الواقع المؤسف.