في «الخط الثقافي».. القطيف تحتفي بأكثر من 50 عامًا من «عطاءات علوي الخباز»

حينما تتبنّى شخصية ما مسؤوليات متنوعة -مباشرة وغير مباشرة-، في مجالات التعليم والتربية، والرياضة والثقافة، مع العمل التطوعي ومساعدة المحتاجين، مشتركة مع مبدأ الحرص التام على الحضور الدائم والمستمر في تنظيم فعاليات وبرامج لدعم وتنمية وتطوير وتفعيل الفنون المسرحية والتشكيلية، فضلًا عن القيام بأعمال أخرى؛ شخصية وعامة، فردية وجماعية، فلا شك أن هذه الشخصية التي تقوم بكل هذه الأدوار في آن واحد هي شخصية استثنائية، وذات مواصفات خاصة، ربما تكون مختلفة عن غيرها من الشخصيات العامة.

هذا ما أجمع عليه المشاركون في أمسية أقامها منتدى الخط الثقافي بمحافظة القطيف مساء الجمعة 18 فبراير 2022م، برعاية الإعلامي فؤاد بن عبد الواحد نصر الله خصصت لتكريم والاحتفاء بالشخصية الاجتماعية السيد علوي باقر الخباز، الذي كان له الدور الفاعل في كل تلك الأنشطة.

وتضمنت الأمسية حشدًا من الفعاليات الاجتماعية في شتى المجالات: الرياضية، والثقافية، والاجتماعية، والدينية، إذ تسابق المتحدثون على الإشادة بجهود المحتفى به على مدار أكثر من 50 عامًا في العمل العام، وفي خدمة القضايا العامة للمجتمع في محافظة القطيف.

الخبازة والحملدارية:
وبعد المقدمة التي تألق فيها مدير الحفل علي بن حسن المرهون، تحدث الأديب والشاعر والمؤرخ البارز السيد عدنان العوامي عن المحتفى به، عارضًا تجربته معه، وسيرته في المجتمع إذ لفت إلى خلفية حب الخباز للأعمال الخيرية والعامة وحرصه عليها وتفانيه فيها فقال عنه بأنه قد ورث عن أبيه السيد باقر وجده السيد محفوظ حرفة الخبازة ورديفتها مطاحن البر، واقتناء الكتب بدافع الصحبة لعلماء الدين وخطباء المنبر، والحملدارية، مؤكدًا أن كل هذه المهن والحرف تدخل في باب الخدمة الاجتماعية، فالخبازة ورديفتها مطاحن البر توفر للناس عنصرًا من أهم عناصر الحياة للبشرية، وهو الغذاء، و”الحملدارية” تيسر له ولغيره من أبناء بلده فريضة من أكبر فرائض الدين وهي الحج، وتوفير الكتب وتفيدنا بأن مجلسه منتدى علمي وثقافي متكامل، وهذه جميعها من أشرف الخدمات التي تقدمت للمجتمع.

ولفت إلى أن تبنّي أسرة الخباز مسألة الحج ليس أمرًا عاديًا، فهو في الخمسينيات الهجرية ليس حج السيارات المكيفة والطائرات ولا المقاعد الوثيرة، بل كان سفرًا محفوفًا بالأخطار، فإما أن يكون عن طريق البحر ووسيلته السفن الشراعية يستقلها الحجاج إلى البحرين ومنها يمتطون الباخرة إلى جدة عبورًا بالخليج وبحر العرب فالبحر الأحمر، وإذا توفي أحد الحاج ألقي في البحر، ولدينا في سجل تلك الحقبة الحاج محمد علي بن علي النهاش المتوفى أثناء عبور الحملة بالبحر العربي قرب جزيرة قمران قبالة ساحل اليمن فلم يكن هناك مناص من دفنه إلا في البحر، أو أن يكون الحج عبر البر ووسيلته الجمال! وحين دخلت السيارات لم يكن نصيب الحاج إلا التعب والإرهاق، وأخطار التعطل وسطو اللصوص وقطّاع الطرق.

ويرى العوامي أن السيد الخباز عاصر الحقبتين، حقبة المعاناة سابقة الذكر، والحقبة الرفاهية المعاصرة، لذلك اختار التدريس ولم يختر أي مهنة أخرى ليتاح له التفرغ التام لخدمة المجتمع الذي نذر نفسه له، فقد انغمس فيه منذ نعومة أظفاره، فحمل دفتر تحصيل التبرعات والاشتراكات لصندوق البر، وهو على معقد الدراسة الابتدائية وصندوق البر هذا كان نواة الجمعية الخيرية.

الخباز والمجتمع:
واستعرض العوامي فصولًا من المهام التي تحمّلها الخباز في حياته الاجتماعية طوال سني حياته، وهو البالغ 77 عامًا، والتي منها: رئيس اللجنة الثقافية بنادي البدر عام 1358هـ حتى 1390هـ، ورئيس مجلس إدارة نادي البدر بالقطيف عام 1991هـ وحتى 1399هـ، ورئيس الجمعية التعاونية بالقطيف لمدة خمس سنوات، ورئيس المؤتمر الأول للجمعيات الخيرية بالمملكة (مقرّها الرياض) عام 1402هـ، وعضو في لجنة صياغة التوصيات، ومستشار اللجنة الأهلية العامة بالقطيف (لجنة التنمية الاجتماعية فيما بعد) عام 1407هـ وحتى عام 1419هـ، وأول مشرف ثقافي لمكتب الرئاسة العامة لرعاية الشباب بالقطيف بالعقد الشخصي (خارج الدوام) منذ تأسيسه من عام 1403هـ، والمنسق العام للفعاليات بمهرجان الشرقية السياحي الأول عام 2002م، وأحد مؤسسي نادي الفنون بمركز التنمية عام 1417هـ وقد ضم وقتها جماعات: (الفنون التشكيلية، والتصوير الضوئي، والخط العربي، والمسرح)، والمشرف العام على جميع معارض الكتاب بالقطيف منذ المعرض الأول حتى المعرض العاشر، ورئيس لجنة التنمية الاجتماعية بالقطيف من عام 1427هـ وحتى عام 1436هـ، ومثّل المملكة في كثير من المعارض الاجتماعية والثقافية في الداخل والخارج، ومثل المملكة في الأسابيع العامة لدول مجلس التعاون الخليجي للعمل الاجتماعي في كل من البحرين والإمارات والكويت، وعضو شرف في المركز الثفافي العربي السوري بدمشق، وحازر على لقب مواطن متعاون في الملحقية الثقافية السعودية بسوريا، وحصل على العديد من الدروع والأوسمة وشهادات التقدير داخل وخارج المملكة، وسميت صالة نادي الفنون بالقطيف باسمه.

واستعرض العوامي ـ فيما بعد ـ إنجازات مركز الخدمة الاجتماعية (أو مركز التنمية الاجتماعية حاليًا) وهو مركز أهلي يموّل نشاطه بالشراكة بين الأهالي وعدد من الجهات الحكومية التي تقوم بدور تمويلي وتنفيذي في آن واحد، وهي وزارة الصحة، والعمل والشؤون الاجتماعية، والتربية والتعليم.

ملامح التجربة “الخبازية”:
وخلال الحفل الذي احتشدت قاعة المنتدى به، تحدث الشيخ حسن بن موسى الصفار الذي رصد ثلاث مميزات لتجربة الخباز في النشاط الاجتماعي، أولها تبنّيه لتطوير الموقع الذي يعمل فيه، فالبعض إذا كان في موقع ما يحاول أن يجمّد ذلك الموقع، أو يفعّله بالحد الأدنى، بخلاف الخباز الذي إذا عمل في موقع ما يسعى لتفعيل الموقع ويسعى لأن يجلب له المزيد من الإمكانات والصلاحيات، والميزة الثانية ـ بحسب الشيخ الصفار ـ فهو تحويل الموقع إلى رافعة للنشاط في المجتمع وليس سقفًا، فالبعض يريد أن يكون موقعه هو الموقع الوحيد، ولكن السيد الخباز حوّل موقعه إلى رافعة للناشط فيدعم الأنشطة ويعطي الفرص لكل من يريد ويرغب في خدمة مجتمعه، وأما الميزة الثالثة فهي الروح الإنسانية والأخلاقية، هذا ما أجمع العاملون عليه فكل من تعامل معه يورد أنه كريم الأخلاق يصغي للجميع ويتقبل وجهات النظر ويتكامل مع الطاقم العامل معه.

السيرة الذاتية المصوّرة:
وبعد عرض فيلم وثائقي عن سيرة المحتفى به، رُصِد فيه تصريحات لعدد ممن تعاملوا مع المحتفى به عمليًا، وتحدث راعي المنتدى فؤاد بن عبدالواحد نصرة الله، والذي أشاد بالتجربة ووصفها بـ”ملحمة العطاء”، واستمرت لأكثر من 50 عامًا في مجالات متنوعة وبوتيرة متصاعدة لخدمة الوطن وتطويره.

وتحدث الفنان التشكيلي عبدالعظيم آل شلي عن سيرة السيد علوي الخباز، ولكن يطريقة مختلفة جدًا عن المتعارف، إذ عرض عددًا من الصور القديمة والحديثة التي تحكي سيرة الراحل الشخصية والعملية، ليؤكد أنه يمثل نقطة تحوّل في مجالات عدة، منها الفن التشكيلي في القطيف، ثم تعاقب على الحديث عن المحتفى به كل من الفنانة التشكيلية حميدة السنان، ونجاح العمران وخضراء المبارك، وكل منهن أشادت بخدمات السيد الخباز في مجال ما من المجالات التي كان مشرفًا عليها ومتابعًا لها.

الخباز يشكر:
وبلغة لم تخل من التواضع والتقدير لحفل التكريم قال المحتفى به علوي الخباز بأنه يجد نفسه شاكرًا ومقدرًا لمن قام وتبنّى هذا الاحتفال، خاصًا بالشكر منتدى الخط الثقافي برئاسة الإعلامي فؤاد نصر الله، مؤكدًا أن هذا الاحتفاء لا يتوجه له شخصيًا، بل إلى كل العاملين معه طوال الفترة الطويلة التي عاشها في العمل الاجتماعي بمختلف المواقع والمجالات.

وأضاف الخباز أن ثمة صورة لازمته منذ الطفولة تتمثل في أن المرحوم السيد حسين بن السيد مجيد العوامي هو الذي زرع في نفسه روح المبادرة والعمل التطوعي، بعد والديه وعائلته.

لحظة التكريم:
ثم توالت كلمات التكريم والشكر، ودروع التقدير، التي لم تخل ـ هي الأخرى ـ من عبارات الإشادة والتثمين لتجربة السيد علوي الخباز فجاءت دروع التكريم كالتالي:
ـ درع منتدى الخط الثقافي (د. باسم أبو السعود).
وتم تقديم درع للسيد عدنان العوامي (كمتحدث رئيس في الفعالية)، والفنان عبدالعظيم آل شلي (كمتحدث ثان)، وقدمهما كل من على حسن أبوالسعود، وباسم بن عبدالواحد نصر الله على الترتيب،
ـ صلاح الدعلوج
ـ على العيد (نائب رئيس نادي الترجي)، وألقى كلمة مختصرة أشاد فيها بخدمات الخباز في المجال الرياضي، كونه لاعب كرة طائرة في نادي البدر في بداية حياته. وأعقب ذلك تقديم درع تذكارية من النادي للإعلامي فؤاد نصرة الله
ـ حميد السنان
ـ محمد الزاير (درع اللجنة الاجتماعية لعام 2000)، وقدمها نيابة عنه محمدالخاطر.
ـ حسن حمادة نيابة عن “بسطة حسن للنشر والتوزيع).
ـ السيد حسن العوامي (متحف القطيف الحضاري).
ـ رجل الأعمال فؤاد الدهان
ـ طلاب مدرسة أبي ذر الغفاري
ـ مجموعة صيدليات المهنا
ـ مفروشات الشماسي
ـ عبد الله ضيف الزاير
صالح العمير
ـ لجنة التنمية الاجتماعية بالبحاري
جمعية العطاء (نجاح العمران)
ـ السنان للعود والبخور (علي سلمان السنان)
ـ مشروع سيدة الأخلاق (خضراء المبارك*)
ـ أمين الزهري رئيس التنمية الاجتماعية بالقطيف والذي قدم درعًا تذكارية لـ كمال المزعل
ـ إسماعيل هجلس
ـ الدكتورة نهاد الجشي
ـ باسم محمد جاسم
ـ متحف المصلي (الفنان التشكيلي محمد المصلي).
ـ الدكتور محمد بن الشيخ علي المرهون (قدمها حسن المرهون).
ـ دار دراية للنشر (عباس الشبركة).
ـ الدكتور أيمن الزاهر
ـ بيت الإبصار (علوي الخباز)
ـ هشام علوي الخباز.

تتويج الحفل:
وتوج الحفل بقصيدة شعبية قدمها الشاعر خالد الشويش الخالدي جاء فيها:
يا درّة عسّيف عهد ومواثيق
دار القطيف اللي يبونه رفيعه
أهله بغبّات الرجولة غواريق
أهل الصدور الطيّبة والوسيعة
أهل الدلال الصفر ويّا الأباريق
يوم السنين الممحلات المجيعه
قطيفنا بستان ما هو تلافيق
واحه على مد النواظر بديعه
أرض العيون الجاريات المدافيق
وبشاية الله ما يجفف نبيعه
قطيفنا يحماك رب المخاليق
من كل حسّاد نوى بالوقيعه
المدح يزهى لك وجزل الطواريق
دار العراقة دائما في الطليعه
أهل القطيف اليا نتخو حزّة الضيق
أمجادهم تشريف ما هي خديعه
أنتم هل البيعة حماة المواثيق
أهل القطيف أصل العهد ما تبيعه
لكم مع التاريخ ساس وتوثيق
حفظ المراجل مثل حفظ الوديعه
حنا بلد واحد ولا فيه تفريق
متكاتفين اليوم سنة وشيعه
سوى سوى فالدرب للقول تصديق
واللي يخالفنا يمال القطيعه
في ساعة ينشف به الفم والريق
ناقف سوى دار الوفا ما نبيعه
شمال ولّا غرب وإن كان تشريق
مع الجنوب وحكمنا بالشريعه
وختام علمي كان للحلم تحقيق
الله يبلغكم منازل رفيعه

هذه هي بلادنا تكرّم أبناءها المخلصين، وترفع “قبعة” عالية للعمل الإيجابي والخيري والتطوعي.




error: المحتوي محمي