تكريم رائد العمل التطوعي السيد علوي الخباز

هتفت الحناجر بعبارات الثناء، وتعالت الأصوات بالتقدير والامتنان، والكلام أخذ مداره على مدى ثلاث ساعات، في رحاب منتدى الخط الثقافي، ألفاظ سامقة وجمل نامقة مصوبة نحو قامة رفيعة، نحو شخصية فذة نذرت عمرها لخدمة مجتمعها على جميع الصعد، الرياضية والاجتماعية والثقافية والتشكيلية والتراثية، هو أيقونة العمل الاجتماعي السيد علوي السيد باقر الخباز.

البارحة ليلة استثنائية من أماسي القطيف الجميلة، ليلة التفت القلوب لإبراز محبتها لصاحب قلب كبير، عشق تراب هذا الوطن حد النخاع، التطوع عنده أشبه بالعبادة مقبل عليه بعقيدة راسخة شعاره عزيمة وثبات، لا يكل ولا يمل ولا يتراجع عن فعل الخير وإبداء النصح والمشورة، ديدنه، أعمل ثم أعمل واصبر وصابر ورابط عند تولي المهمات، محرض لكل من حوله في سعي حثيث لخدمة المجتمع وهو أولهم، مبادر مكافح لا يستكين ولا يعرف للجلوس محلًا، واثق الخطوة يمشي قدمًا نحو تحقيق الأهداف المرسومة، خبر أغلب الميادين الخيرية عن وعي وفهم وحرص، بذكاء مستنير وعقل راجح، وقوة بأس، توجها في كل المهام التي أسندت إليه بنجاح يضاهي نجاحًا.

حين وجهت لي الدعوة من قبل راعي المنتدى الأستاذ فؤاد نصر الله، للتحدث عن هذه الشخصية في ليلة تكريمها، سررت ولكني احترت ماذا أقول بجانب علمين، وهما الشاعر السيد عدنان العوامي والدكتور منصور القطري – الأخير اعتذر بسبب انشغاله في مهمة تعليمية في الرياض – وبقيت أنا بجوار العلم، أن أقف بجانب شاعر متبحر في اللغة مدرك لأبعادها، كيف لي أن أجاريه وماذا سأتحدث من بعده، أو على أقل تقدير ألامس شيئًا من بلاغته، وحنكته في توظيف الحرف ليصل الخطاب لأذن السامع بأبهى صورة،كيف لي بلوغ ذلك؟ يدور في رأسي القول المأثور: “رحم الله امرئ عرف قدر نفسه”، وخامرني التردد بالاعتذار متعللًا بانشغالي في أعمال البناء المجهدة، لكن قال لي صاحب الدعوة ليس لك من مفر! تمتمت بصمت، فما كان لي إلا القبول تاركًا الأمر متأرجحًا إلى حين اقتراب الموعد، وكعادتي في كثير من الأمور أشتغل في الوقت الضاغط والقصير، رحت أفتش عن شيء مختلف أقدمه عن شخصية المحتفى به، شيء مغاير حسب ظني، فكان طوق النجاة لي أن أسرد شذرات من السيرة عبر الاتكاء على الصور القديمة التي بحوزة أبي هشام، كان ذلك قبل ليلة من حفل التكريم، انتقيت بعضًا من صور الأسود والأبيض بعناية ورسمت المسار في خارطة ذهني متخذًا من العنوان علامة عامة ومدخلًا للخطاب “الأب الروحي لجماعة الفن التشكيلي “.

في اليوم التالي صبيحة الجمعة 18 نوفمبر 2022 هو يوم الاحتفاء، ابتدأت مع أخي الأصغر مؤيد الحمران وعلى مدى 5 ساعات لعمل عرض بـ”الباور بوينت” بصور مدعمة بالعناوين ومذيلة بتسلسل التواريخ، وشيء من السطور التوضيحية، كلها تحكي كيف تبلورت وتشكلت شخصية علوي الخباز منذ أن كان يافعًا مرورًا بالمدرسة وفتى مقبلًا على الحياة عبر انضمامه لنادي شباب مركز الخدمة الاجتماعية عام 1962 ثم تقلده رئاسة اللجنة الثقافية منذ منتصف الستينات بنادي البدر وهو لم يزل طالبًا في معهد المعلمين، وليس انتهاء برئاسة نادي البدر الرياضي 1971 كأصغر رئيس بين كل أندية المنطقة الشرقية، وكذلك ترؤسه لبقية اللجان التي عمل بها في مركز الخدمة الاجتماعية واللجنة الأهلية، بالإضافة إلى الوقوف مليًا عند اللحظة الفارقة في تأسيس نادي الفنون بالقطيف على يديه سنة 1996، كنت أريد أن أحفر في ذاكرة الأيام وأن أسترسل في الكلام وأستطرد يمينًا وشمالًا، وهي لعبتي المضلة، لكن كل ذلك لم أبلغه ليلة البارحة، بسبب عدم تعرف الجهاز “اللابتوب” على المحتوى أثناء العرض، تداخلت السطور فيما بينها وأصبحت القراءة كأبجدية هيروغليفية وازداد الأمر سوءًا لون الخط وصغر حجمه وسط خلفية غامقة، أدركت حينها أنه لا مفر من الارتجال، وبذل ما أستطيع لذلك سبيلًا، ودس مقدم الحفل المهندس حسن المرهون، ورقة بين يدي يطالبني بالاختصار لأن فقرات الحفل كثيرة، فزادني إرباكا على ارباكي، فاستعجلت لأكمل بقية شرائح العرض بشكل ضيع مني الربط والخاتمة التي كنت أصبوا إليها.

أتى العرض مليئًا بالثغرات، والفجوات، وقدمت شيئًا لست مقتنعًا به، انتهيت على وجل وسط تصفيق الحضور، جلست وغامرني ضيق بعدم الرضا عن عرض لست مقتنعًا به، لكن المفارقة العجيبة بعد انتهاء الحفل في حدود الساعة العاشرة تقريبًا وأثناء التقاطات الصور التذكارية مع شخصية المحتفى به، سمعت من بعض الحضور كلمات الإعجاب والإطراء بما قدمت وكان أولها من الجالس على يساري الأستاذ حسن حمادة صاحب بسطة حسن الذي قال لي “قدمت مادة مختلفة عن كل ما عرض”! جملة تشابهت مع أقوال آخرين، ربما مجاملة من قلوب طيبة في ليلة تعج بصور الوفاء، والبعض أسدوا لي ملاحظة مهمة بوضع علامة للتعريف بشخصية أبي هشام حين كان صغيرًا وخصوصًا حين يكون بين أناس آخرين وذلك ليتمكن الرائي من معرفته على وجه الدقة.

نيتي مبيتة لعرض المحتوى في مناسبة أخرى. وبكل الأحوال كان الحفل ليلة البارحة بهيجًا، فكل قريحة أفضت بما لديها من حسن الكلام، فتناثر الحب على ألسنة شخصيات مرموقة ومشايخ، ووجهاء، بين كلام معد سلفًا وكلام مرتجل من نساء ورجال.
تسابق الجمع في الإدلاء بالشهادات المسجلة وتقديم الهدايا الفخمة، التي كانت تبرق بلمعان الذهب لرجل من ذهب. حين فرغ السيد علوي الخباز من كلمته التي ألقاها دون ورقة، شاكرًا الحضور قائلًا: “أنتم المكرمون وأنتم الشركاء في مسيرتي التطوعية”، ومعددًا كل اللجان التي عمل بها، اقتربت منه هامسًا: يا أبا هشام، لقد شكرت الجميع ولن تذكر دورك الريادة في تأسيس نادي الفنون، وكذا حراكك المتواصل في فضاء جماعة الفن التشكيلي، فقال: كانت لدي إشارة مهمة لم يسعني الوقت للإدلاء بها ربما نسيتها، ولكنه استدركها بعد ساعة من انقضاء الحفل وارسلها عبر قروباتنا الفنية، مفادها: “السلام عليكم أحبتي.. في حفل التكريم ذكرت جميع من شاركني سابقاً في مشواري التطوعي من مؤسسات وجماعات ومهرجانات، ولم أذكر نادي الفنون لأن جميع من ذكرتهم انقطع تواصلي معهم، وانفضت شراكتي معهم، أما نادي الفنون فما زال تواصلي معكم ومازلتم جميعًا الشركاء في العمل التطوعي وما زالت خدماتي معكم مستمرة، فلكم مني أطيب التحايا والتقدير”.

بالفعل أنت الراعي والحاضن والمتابع لكل صغيرة وكبيرة عبر أنشطة نادي الفنون وخصوصًا جماعة الفن التشكيلي. ألف تحية لقلب رجل كبير أطال الله في عمره بصحة وعافية شكرًا لك يا أبا هشام فأنت ملكت القلوب بحسن صنيعك.



error: المحتوي محمي