في سيهات.. أدبي «ابن المقرب» يحكي تاريخ نشأة القصة وتطورها

أقام ملتقى ابن المقرب الأدبي بالدمام في برنامجه التخصصي حلقة آراء الأدبية، أمسية أدبية نخبوية لمحبي مجال القصة وتاريخها، وذلك بمناسبة اليوم العالمي للقصة، مساء يوم الخميس 17 فبراير 2022م بمنزل الشاعر السيد هاشم الشخص بسيهات.

وقدَّم الشاعر محمود المؤمن الحلقة الأدبية التي كان القاص والروائي السوداني د. جمال الدين علي ضيفها، والذي ألقى محاضرة بعنوان (ببليوغرافيا القصة.. النشأة والتطور)، حيث قام مقدم الأمسية المؤمن بعد أن تقدم لضيوفه بعرض موجز عن مفهوم القصة وتاريخها، بالتطرق إلى سيرة موجزة ليعريف الحضور من خلالها بالضيف الكريم.

وألقى الدكتور جمال الدين علي بعدها محاضرته القيِّمة، التي دارت أهم محاورها حول تعريف القصة من منظور لغوي وجمالي؛ حيث تحدَّث في هذا المحور الأول عن أهم تعريفا القصة، وأهم الاختلافات البارزة بين محبيها في اختيار التعريف الصحيح والدقيق لها.

واستطرد في إكماله عناصر المحاضرة المهمة حيث تحدث في ثاني عناصرها حول النشأة والنزعة، وذكر أن القصة بدأت مع تعبير الإنسان القديم عن أحداث حياته ومعيشته عن طريق رسم ونحت الأحجار وجدران الكهوف، ثم أحدث تطورًا بعد ذلك فانتقل من الرسم إلى التعبير بالكلمات، ما يوضح وجود نزعة وجودية عند البشر لسرد القصص، وأن الإنسان قد دفعه خوفه من الملل إلى اختلاق القصص وحكاية الأحداث، وذلك بالإضافة إلى نزعة بني الإنسان إلى الكتابة وتوثيق مشاعرهم عبر أحداث حياتهم.

وجاء العنصر الثالث في المحاضرة بعنوان القصة بمفهومها وشكلها كجنس جمالي، والتي عرض د. جمال الدين من خلاله نبذة سريعة ومختصرة عن الحُقب التي سبقت التاريخ المتعارف عليه لنشأة القصة القصيرة بشكلها الحالي في القرن الثامن عشر، ومن ذلك قصص الكهوف والمخطوطات القديمة التي لا زالت تكتشف، وكذلك الكتب السماوية والروايات الشفهية التي تحكى من خلال الموروث الشعبي، ووضح الناحية الجمالية بقوله إن القصة تخلق لدى الإنسان هزّة العبرة والراحة النفسية والمتعة.

وقال إن القرآن الكريم اتجه نحو القصة لتأصيل قيم الجمال، وذلك من خلال الاستفادة من هذه المزايا والتأثيرات الموجودة بالققص، ورواية القصة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بخطاباتنا الإنسانية التي تهدف إلى توثيق حيواتنا الشخصية وفهم الحياة بشكل أوسع وأكثر شمولية.

وقد ظيت القصة بانتشار واسع في الغرب وذلك مع انتشار التعليم في الطبقة الوسطى وتطور العلوم والفنون، إضافة إلى حركة الهجرة، وقد وصلت القصة إلى ذروة توهجها واكتمالها مع عراب القصة (أنطوان تشيخوف).

وحاول الإشارة في العنصر الرابع إلى أول من كتب القصة ونشرها، حيث طرح عددًا من النظريات والأسماء في هذا الصدد ولم يحدد، وذلك بسبب اختلاف التعريفات والمناهج التي على ضوئها تختلف انطباعاتنها، إضافة إلى اختلاف الجغرافيا وحركة الهجرة التي تزيد الأمر صعوبة في تحديد أول من كتب ونشر القصة.

واستهل خامس عناصر المحاضرة بسؤال: أين العرب من القصة القصيرة؟ والتي قال من خلاله أن الشعر ظل ديوان العرب لمئات السنين، بينما دخلت القصة إلى العالم العربي متأخرة في ثلاثينيات القرن الماضي بعد أن عادت البعثات العربية من أوروبا. وذكر أهم الأسماء العربية التي وجدت في فترة الريادة تلك، ومنهم: محمد تيمور، وإبراهيم المازني، وطه حسين، وعيسى الناعوري، وزكريا تامر، وميخائيل نعيمة، ويوسف إدريس، وقد لعبت الإذاعة والصحافة والصوالين الأدبية دورًا كبيرًا في انتشار القصة العربية.

ووضح بعد ذلك لماذا كان أنطوان تشيخوف هو أفضل من كتب القصة؟ حيث عزا ذلك الأمر إلى أنه قام بإحدث ثورة حقيقية في القصة القصيرة من خلال تحويل مسار القصة، وذلك لأنه فهم الحياة بعمق، كما أنه قام بكسر القواعد التي وضعها الرواد الأوائل، ما جعله يبتكر طرقًا جديدة للقصة، وهذا ما جعل قصص تشيخوف تنبض بالحياة إلى الآن، وجعل لها الأثر الممتد الذي نراه بأم أعيننا.

وبين أثناء تطرقه إلى العنصر السابع من عناصر المحاضرة _أنواع القصص، حيث قسمها إلى القصة المُلغّزة أو الرمزية، والتي تتمثل في تلك التي تحمل مظهرًا زملمحًا فلسفيًّا، كقصص خورخيه بورخيس وإدغار آلان بو، وتمثل النوع الثاني من القصة في قصص النوڤيلا، وهي قصة أقصر من الرواية وأطول من القصة القصيرة، وأشار إلى تشارلز ديكنز وقال إنه ممن كتبوا في هذا النوع، وبعدها أشار إلى القصة الشعرية والأسطورية، والتي جاءت في المقام الثالث، ونراها في القَصَص المسرحي لشكسبير وشوقي، إضافة إلى الملاحم الشعرية كجلجلمش والأوديسة، وختم أنواع القصص بالقصة السِّيريّة، وهي التي تحكي سيرة الكاتب ذاته، وهذه الذاتية جعلت بعضهم يطلق عليها القصة الحديثة.

وقدم أثناء عرضه لعنصر المحاضرة الثامن لحمة عن القصة وارتباطها بالفنون الأخرى، حيث ارتبطت القصة ارتباطًا وثيقًا بفنون مختلفة انعكست عليها، ومنها التأثيرات المختلفة للرسم والمسرح والشعر والغناء وغيرها من الفنون على فن القصة.

واختتم بقوله الواقع الحقيقي ليس مُدرَكًا بالحواس، بل هو بناء ذاتي.

وفي الختام كانت هناك استفسارات ومداخلات غاية في الروعة من عدد من الحاضرين، وهم سلمان الحبيب، وحسن آل حمادة، وعيد الناصر، وأسماء بوخمسين، وعادل جاد، وكاظم مأمون عبد الله، وجاسم المشرف.

وأخيرًا قام رئيس الملتقى أحمد اللويم بتكريم الضيف الكريم بعد تقديم آيات الشكر والثناء له ولجميع الحاضرين الذين أثروا الأمسية بمداخلاتهم وحضورهم.

ومن الجدير بالذكر أن حلقة آراء الأدبية هي واحدة من برامج ملتقى ابن المقرب الأدبي، والتي تعتني بطرح مواضيع ذات طابع متخصص ضمن حضور نخبوي مُشرِّف.




error: المحتوي محمي