تعتبرُ ظاهرةُ التشجيعِ الرياضي مِنَ الظواهرِ الصحيةِ والجميلةِ والمطلوبةِ فِي مَلاعِبِنَا وعَلَى مُدَرَجَاتِنَا؛ فهي بمثابةِ فنٍّ وإبداعٍ وترويحٍ عَنِ النفسِ والروحِ، إضافةً إلى الشعورِ بالمتعةِ والإثارةِ والانتماءِ عندَ القيامِ بتشجيعِ منتخبٍ أو نادٍ مُعين، كلٌّ حسبَ ميولهِ الشَّخصية.
ومِما لا شكَ فيهِ؛ فإنّ وجودَ الجماهيرِ الرياضيةِ هو عصبُ الألعابِ ونكهةُ الملاعبِ؛ حيثُ يعتبر هذا التواجد مِنْ أساسياتِ وركائزِ أي لعبةٍ، وبالذاتِ فيما يتعلقُ بكرةِ القدمِ الساحرة؛ تِلْكَ الكرةِ المستديرةِ والمعشوقةِ عند الملايينِ مِنَ الجماهيرِ فِي العالمِ أجمع.
الكثيرُ مِنا قدْ لاحظَ فِي الآونةِ السابقةِ حالَ الملاعبِ بلا حضور جماهيري، وبلا مشجعينَ، كم كَانَتْ مملةً ومفتقرةً للمتعةِ والحماسِ، بل وحتى أداء اللاعبين داخل المستطيل الأخضر قد انخفض!! وهذا ما شاهدناهُ جليًّا عندما تم تعليق حضور الجماهير في جميع المنافسات والأنشطة الرياضية؛ إبانَ تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد؛ حيث أصبحت إقامة تلك المباريات في الملاعب بدون جمهور، فشاهدنا وقتها مبارياتٍ بلا روح.
وهذا يعكسُ أهميةَ وتأثير الحضورِ والتواجدِ الجماهيري في تلك المنافساتِ، فهم أشبه بملحِ الملاعبِ الذي يضفي على اللاعبين مزيدًا من الطاقة، مما يجعل اللاعب يزداد في العطاءِ والإبداعِ داخلَ المستطيل الأخضر، وهي السر وراء انتصار الفريق، والدافع والمشجعُ لهُ لتحقيقِ الفوز؛ حيثُ تلعب هذه الجماهير دورًا حاسمًا في مواجهات فريقها على مدى تسعين دقيقة من عمر أي مباراة.
ويضمُ مشجعو الفرق فئاتٍ مختلفةً مِنْ الناسِ، ستجدُ مِنْ بينهم الكبيرَ والصغيرَ والغنيَّ والفقيرَ والمعلمَ والطبيبَ وغيرهم، فحبهم لهذا الكيان أو ذاك مدعاةٌ لصهرِ وإذابةِ الفروقاتِ الطبقية أو الاختلافاتِ المجتمعيةِ.
وعلى الرغمِ مِنْ أهميةِ وتأثيرِ الحضورِ الجماهيري في مساندةِ أي فريقٍ، إلا أننا نَجْدُ هناكَ وللأسفِ الشديدِ ثقافةً تعصبيةً تسيطرُ على شريحةٍ لا يُستهانُ بها مِنْ مشجعي كرةِ القدمِ والرياضةِ بشكلٍ عامٍ، منها صدورُ تصرفات غيرِ لائقةٍ؛ كالشتمِ والقذفِ والتكسيرِ والتخريبِ، والأهازيجِ التي تشيرُ إلى بعضِ العباراتِ العنصرية والهتافاتِ غيرِ المناسبةِ؛ والتي تكونُ مؤذيةً لجماهيرِ ولاعبيّ الطرفِ المقابلِ.
وقد تتعدى مثلُ تِلْكَ الممارساتِ حتى على الحكامِ والإداريينَ لدرجةٍ قد تصل إلى تجاوزِ نطاقِ الأدبِ؛ مما يشيعُ الكراهيةَ والعداوةَ والتعصبَ، والذي يفرغُ الروحُ الرياضيةُ من الهدفِ الأسمى من التشجيعِ والتنافسِ الرياضي الشريفِ، وتبرز مثل هَذِهِ التجاوزات خاصةً عندما تضمُ المباراةُ فريقينِ من المدينةِ أو المنطقةِ نفسها، وهو ما يعرف بالديربي.
وحَبذا في الجماهير أَنْ تكونَ بعيدةً كلَ البعدِ عن الكلماتِ المخلةِ بالذوقِ العام، وهذا مما يجعلها أكثر تحضرًا واحترامًا وتميزًا ورقيًّا بين الآخرينَ، وأيضًا قيامهم بتشجيع فريقهم والشد من أزره لتحقيقِ الفوزِ وتقديمِ الأفضلِ، وفي الوقت نفسه نجدها تضبط نفسها لتجنب خلق المشكلات والصراعات والخلافات بين جماهير الفرق الأخرى حتى وإن بدأت هي بذلك.
ويجب أن نلتفت إلى أن مثل هذه الفعاليات الرياضية تجمع ولا تفرق، وعلينا أَنْ نؤمنَ أيضًا بأنها تحمل في ختامها نتيجة متوقعة، هي الفوز أو التعادل أو الخسارة، فيجب أن نكتسب من خلال تواجدنا في مدرجات الملاعب الكثير من القيم والمبادئ، بل ونكتسب الصداقات بين الرياضيين، والتي تمتد حتى بعد اعتزال اللاعبين، فالتواصل والمحبة يبقيان بسبب الروح العالية التي يتحلى بها الرياضيون، فالتنافس يجب أن يكون داخل الملعب تنافسًا شريفًا بعيدًا عن العداوات والمهاترات.