أجزم أن كلِّ الرِّجالِ الذين يشاركون غيرهم الطُرف والنكات أو مقاطع – عن آخرين – يتمنون موتَ زوجاتهم غير جادّين. بل على العكسِ تمامًا، هم محبون ومخلصون لهنّ. إلا أن يكون فيهم من عنده زوجة مشاغبة ومؤذية وهو فعلًا يكرهها ويود التخلص منها، عدا ذلك هي أمنية لا يتمناها عاقل!
يصبح الرَّجل في خريفِ العمرِ في ورطةٍ تعسر النَّجاةُ منها إذا – لا سمحَ الله – ماتت زوجته التي قضى معها سنواتِ شبابه حلوها ومرها، والحياة لا تخلو من المرارةِ أبدًا. كل الإحصائيَّات تقول بأن فقدانَ رفيقِ الحياة مصيبة لا يتحمّلها الكثيرون، ومع التقدم في السنّ تضعف القدرةُ على تحمل ألمِ الفراق. لا يستطيع الكثير من النَّاس الحياةَ بعد وفاة الزَّوج أو الزَّوجة، وسريعًا ما يلحقون بهم.
ظاهرة “تأثير الترمل” معروفة ونتائج الإحصائيَّات أن الرَّجل أكثر عرضةً للموتِ بعد وفاةِ الزَّوجة، مقارنة بالمرأةِ بعد رحيلِ زوجها. ذلك لأن أغلبَ الزَّوجات بمثابة محرك الأسرة في رعايةِ الزَّوج والبيتِ والأبناء وإعدادِ الطَّعام والتَّنظيف، وحلّ مشاكل الأبناء ورعايتهم أثناءَ المرض. ثمَّ بعد وفاتها يشعر الزَّوج بالعزلة وفقدان الرَّاعي الأساسيّ لحياته الذي يعضده ويعينه في كلِّ الأمور. وإذا كنَّ النساء لديهنّ القدرة على الكلام وتفريغ أحزانهنّ، الرِّجال يصمتون ويخفون أحزانهم مثل الصخور، لذلك هم يشعرون أكثر بالوحدة، وأنتم تعرفون ما يأتي مع الوحدة!
من عنده زوجة تحبه من الأجملِ أن يشملها في صلاتهِ ودعائه، ومن كان لها زوجٌ يرعاها تشمله في صلاتها ودعائها. الحياةُ دونَ زوج غربة.. غول.. حزن وأَلم، وليس نكتةً سمجة كما نتصورها ونضحك عليها. الحياةُ دون زوج أقسى من الصَّخر الصَّلد ولغز لا يفهمه إلا من يقاسيه. نشكر اللهَ وممتنين له أن خلقَ لنا من أنفسنا أزواجًا نسكن إليها وجعل بيننا مودَّةً ورحمة {خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}.
ماتت السيِّدة فاطمةُ الزَّهراء عليها السَّلام في ربيع عمرها فحزنَ عليها زوجها الإمامُ عليّ عليه السَّلام، ويذكر أنه قال شعرًا طويلًا يدل على عمق حزنه وأسَاه كانَ منه:
أرى عللَ الدنيا عليَّ كـثيرة ** وصاحبها حتى المماتِ عليلُ
وإنِّي لمشتاقٌ إلى من أحبّه ** فهل لي إلى من قد هويتُ سبيلُ؟
وإني وإن شطَّت بي الدَّارُ نازحًا ** وقد ماتَ قبلي بالفراقِ جميلُ
فقد قالَ في الأمثالِ في البينِ قائلٌ ** أضرَّ به يومَ الفراقِ قليلُ
لكلِّ اجـتماعٍ من خليلينِ فرقةٌ ** وكلُّ الذي دون الفراقِ رحـيلُ