كل ما نشربه أو نأكله يمكن أن يكون سلاحًا ذا حدين لنا، فربما يعود علينا بالنفع العام أو الكثير من الأضرار التي لم نكن نتوقعها على الإطلاق.
إن الأغذية الطبيعية منبع غزير جداً لأكثر أنواع العناصر الغذائية، فهي تقدم لنا كميات كافية من فيتامينات ومعادن وعناصر مغذية مفيدة للصحة ومضادة للتعب، ولكن، ماذا عن هذه الأغذية وكيفية اختيارها وتأثيرها على الصحة؟ وما مدى ارتباطها بالطبيعة وأشياء أخرى وأسئلة أخرى؟، نجيب عنها من خلال هذه السطور.
تعرّف الاحتياجات الغذائية بأنها الكمية الأدنى التي يحتاج إليها الإنسان من العناصر الغذائية والطاقة التي تمكّنه من النمو والعيش بصحة جيدة، وتختلف هذه الكمية باختلاف أطوار نمو الجسم، كما أنها تختلف من شخص إلى آخر، لذلك يصعب تحقيق التكامل الغذائي، فمعظم الأطعمة المصنعة تعج بالسلبيات أو الانحرافات نتيجة الفواقد في العناصر الغذائية.
ومن الطبيعي أن الطعام المصنع كان في الأصل طازجًا، لكن مروره بالمراحل المختلفة من المعالجات كالحرارة والإضافات الاصطناعية والتقنيات الحديثة، كل ذلك ينتج عنه تغيير في التركيبة الغذائية والصحية لهذا الطعام.
ولقد قامت الجهات المختصة بالتغذية في العديد من الدول المتقدمة والهيئات الصحية والمتعلقة بالتغذية بوضع التشريعات والقوانين التي تساعد الأشخاص في التغلّب على آثار تلك المعالجات، من هذه التشريعات، إضافة عناصر غذائية للأغذية لأبطال التأثيرات السلبية الناتجة من المشكلات التصنيعية للغذاء، وكذلك لمواجهة أخطار الاستهلاك المنخفض للفيتامينات والعناصر المعدنية الصغرى.
أكثر أسباب مشاكلنا الصحية مرتبطة بالأغذية المصنعة، إذ أن هناك المضافات والمواد المدعمة وهي مواد كيميائية يتعدى تأثيرها على القيمة الغذائية فيوسعها ويسبب مشكلات صحية خطيرة، والقاعدة العامة هي أن أي مادة يثبت أنها مضرة بالصحة بصورة قطعية، فالأحوط عدم استخدامها.
الأطباء واختصاصيو التغذية ينظرون إلى تدعيم الأغذية المعالجة بالفيتامينات والمعادن والأحماض الأمينية وغيرها كمفتاح للصحة الجيدة، فإضافة عنصر مغذٍ إلى الغذاء هدفه إمداد الجسم بالطاقة والنمو والتطور والمحافظة على الحياة، ونقصه يؤدي إلى تغيرات في الخصائص الحيوية والفيزيولوجية للجسم، ونادراً ما يعاني الأشخاص الذين يتمتّعون بصحة جيدة من نقص نوعٍ محدد من المغذّيات.
في هذه الأيام، ملأت أنواع جديدة من الأغذية رفوف المتاجر الكبيرة ومحال المنتجات الصحية، وعُرِفت هذه المنتجات بتسمية الأغذية الوظيفية وهي مدعّمة بمجموعةٍ من
العناصر الغذائية والمواد الكيميائية التي يُعتقد أنها تشفي من بعض الأمراض، ويُقيَّم كل منتج وفقاً لميزاته التغذوية، ولكن من الضروري أن نتذكر أن لا شيء يمكن أن يحلّ محل فوائد الأغذية الطبيعية.
إننا نرى حليب الرضع والأطفال منتجات مدعمة، وحبوب الإفطار والفواكه المجففة مدعمة، والحبوب كالأرز والقمح مدعمة، والحليب ومنتجات الألبان مدعمة، وملح معالج، وحليب الصويا مدعم وعصائر الفواكه والخضراوات مدعمة.. وكل ما أظهر نقصاً في أنواع مختلفة من الفيتامينات والعناصر المهمة للجسم.
معظم الأغذية المحفوظة والمعالجة تحتوي على عناصر غذائية مدعمة فتحولت إلى مستحضرات مجهزة أو مكملات غذائية ولا يمكن أن يستعاض بها مطلقاً عن الأغذية الطبيعية المنتجة للفيتامينات والمعادن والعناصر الغذائية التي يحتاجها الجسم، هذه الأغذية هي الحافظة للعناصر الغذائية.
يمكن دعم المواد الغذائية للحدّ من خطر انتشار أمراض النقص الغذائي، فتُدعم بعض أنواع الأطعمة التي خسرت بعض المغذّيات في عملية تحضيرها، أو عندما تعود المواد المضافة بالفائدة على الصحة، وتسمح الضوابط الدولية بتدعيم الطحين ببعض أنواع الفيتامين B والكالسيوم والحديد، وتدعيم السمن النباتي بفيتامين A وD، والملح باليود، كما يمكن إضافة بعض المدعمات الاختبارية كفيتامينات B أو الحديد إلى حبوب الإفطار أو وجبات الأطفال، كما تلجأ مصانع الأغذية أحياناً إلى تعزيز المنتجات النباتية بفيتامين B12.
ينبغي أن يكون معظمُ الناس قادرين على الحصول على الفيتامينات والعناصر المعدنية التي يحتاجون إليها عن طريق تناول غذاء طبيعي وطازج، ومع ذلك هناك فئات حساسة يكونون عرضة لخطر عدم الحصول على ما يكفي من الفيتامينات والمعادن الغذائية، وهذه الفئات هي: الحوامل والمرضعات، والرضع والأطفال، وكبار السن، والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة.
بنظرة عامة يمكن أن نقيّم الصناعات الغذائية وما تواجه من تحديات كبيرة رغم سرعة نموها واتساعها، فهي تبحث عن حلول لبعض السلبيات التي صاحبت نشأتها وتطورها.
إن الصناعة الغذائية تدرك تمام الإدراك أن المعالجات التصنيعية التي أُخضع لها الغذاء أثناء الإعداد والتصنيع، بأنها جائرة وقللت في قيمته الغذائية وسببت ضرراً صحيًا، لأن سلامة الأغذية المصنعة هي تثبيت خصائص معينة في المنتجات تحوز رضا المستهلكين ورغبتهم، ويتعدى ذلك إلى صحتهم؛ لذا فقد شرعت الجهات الصحية عالمياً في إيجاد البدائل العملية لحل هذه المشكلة، ويمكن أن يُسمى العقدان الماضيان بعقدي الدعم الغذائي، حيث بدأت شركات تصنيع الغذاء دعم الأغذية بالعناصر المعدنية والفيتامينات لتعويض الفاقد من العناصر الغذائية المهمة للجسم.
الأغذية المصنعة مركبة من مكونات كيميائية تنتج في مختبرات البحث العلمي وعلى قاعدة علم الكيمياء وعلى أساسها يصنع الغذاء.
النقص الناتج عن المعالجات التصنيعية يجعلها الأقل نفعاً وقد تتحول إلى معول هدم ضد الصحة.
وعندما تعزز الأطعمة المصنعة بفيتامينات أو معادن، فهذا يعني محاولة تلافي سلبيات التصنيع الغذائي الجائر. إضافة عناصر غذائية للأغذية لأبطال التأثيرات السلبية الناتجة عن المشكلات التصنيعية للغذاء، وكذلك لمواجهة أخطار الاستهلاك المنخفض للفيتامينات والعناصر المعدنية الصغرى، هذه حقيقة إلزام شركات تصنيع الغذاء بإضافة الفيتامينات والمعادن وغيرها من العناصر الغذائية حسب النسب التي تقرها القواعد والشروط الصحية.
تدعيم الأغذية قد يحل جزئياً مشكلة انخفاض القيمة الغذائية، لكن لا يخلو هذا الإجراء من معارضين للدعم ابتداءً شأن المضافات الاصطناعية ما بين مؤيد ومعارض.
ما زال هناك جدل حول دعم الأغذية المصنعة، ومعظم الآراء تربطه بالمواد الكيميائية وتأثيرها الضار بصورة قطعية.
إن كل الأغذية التي نتناولها لا تقدم لنا مطاليبنا اليومية ما دمنا نعارض في الحصول عليها من الشمس!
يمكن للفيتامينات والمعادن الغذائية وغيرها من العناصر الغذائية أن تحمي من المشكلات الصحية إذا كان داخلاً ضمن الغذاء بشكل طبيعي وليس على شكل إضافة أو دعم.
نحن نتحدث عن تناول الأغذية بصورتها الطبيعية، وليس كأطعمة مصنعة، نتحدث عن فوائدها الغذائية وتأثيرها الصحي، تناول كل شيء مشبع بالعصارات الحية، هيأتها الطبيعة – هي غذاء ودواء في آن واحد -، تساعد على شفاء كثير من الأمراض، وعلى الوقاية منها، وإكساب الجسم مناعة ضدها، فكيف – إذن – نرضى بأن نترك الأغذية والأدوية التي منّت بها الطبيعة علينا بما أودعته في الأطعمة الحية من فوائد، لنقبل على تناول الأطعمة الميتة التي فقدت كثيراً من خواصها الطبيعية.
قد يترتب على تناول الأطعمة المدعمة زيادة على حاجة الجسم من المواد المضافة، وتترسب في الكلى وتتلفها، لذا نحرص على أخذ العناصر الغذائية من مصادرها الأساسية.
إن الصحة والقوة تأتيان من اختيار الأغذية بعقل وإدراك، ولا تأتيان أبداً من الأغذية المصنعة، لذلك يجب أن يعرف الشخص أنه لا حاجة لتناول الأغذية المدعمة، ويمكن الحصول على العناصر الغذائية التي يحتاجها الجسم من مصادرها الطبيعية، ولا نلجأ إلى الحبوب والمكملات الغذائية إلا أن تكون في حاجة ماسة إليها وفي أضيق نطاق يحدده لك طبيبك.
أخيراً، الحقيقة أن الغذاء هو الحياة، حيث تستطيع جعل الغذاء دواءً أو مرضاً، لقد كان الناس فيما مضى من أجيال يعتمدون على الطبيعة وحدها فيما يأكلون ويشربون، كما يعتمدون عليها في علاج أمراضهم ودرء الأخطار عن أجسامهم، وعندما جاءت الأغذية المعالجة والأدوية الكيميائية وقعنا في براثن المرض، أفسدت أجسامنا وحرمتنا من وسائل الدفاع، لقد كان أجدادنا الأوائل يعيشون على الطبيعة فيها الدواء وفيها الشفاء، كنز دوائي رخيص الثمن، منحتنا الطبيعة إياه لأنه الأصل في بقائنا، ستظل الطبيعة هي الأم الأولى للبشر، وهي ملاذهم الأخير عندما يعجز الطب الحديث عن المواجهة.
منصور الصلبوخ – أخصائي تغذية وملوثات.